توافق اليوم الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" العالم المجاهد نزار ريان، الذي لا يمكن أن تصفه الكلمات، فهو السياسي صاحب الكثير من الأدوار والمواقف، والعالم الذي سخر سنيّ عمره في العلم والتعليم والخطابة والتأليف، وهو المجاهد الذي سهر الليالي مدافعا عن شعبنا وأرضه، مرابطاً على حدود قطاع غزة، يصول ويجول بين المجاهدين والمرابطين.
الميلاد والنشأة
ولد العالم المجاهد نزار ريان في السادس من مارس عام 1959 في مخيم جباليا لاجئاً من بلدة "نعليا" قضاء عسقلان، مترعرعاً في رحاب مسجد الخلفاء الراشدين شمال قطاع غزة الذي كان فيه إماماً وخطيباً.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1982، وتتلمذ على مشايخ الحجاز كالشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ بن جبرين، كما نال درجة الماجستير من كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في عمان، في تخصص الحديث الشريف عام 1990، ثم أكمل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم في السودان عام 1994م، وواصل مسيرة العلم، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بعد أن حصل على درجة الأستاذية في الحديث الشريف.
نموذج فريد
كان اهتمام الشهيد نزار ريان بالجهاد والمقاومة أمرا مبهرا إذا ما أخذنا بالحسبان الأعذار المقبولة لعدم مشاركته في أعمال المقاومة، فهو رجل يعاني من أمراض مزمنة، وانشغالات مهمة بجمع العلم وتأليف الكتب، ومراجعة الدراسات، وكتابة الأبحاث، ونقل العلم لطلابه وأصحاب العلم الشرعي.
لكن الدكتور الشهيد قدم نموذجا فريدا في عصرنا الحالي، للعالم القدوة الذي جمع بين التنظير للجهاد وممارسته، ووازن بين مسؤولياته الاجتماعية والسياسية والتزاماته الأكاديمية، فضلا عن تقديمه لدور فارق في المسيرة الجهادية.
وشملت سيرة الدكتور الشهيد نزار ريان محطات جهادية كثيرة ومتنوعة، كان أبرزها حين جهز نجله إبراهيم وسلّحه على حسابه الشخصي، ووافق على رغبته بتنفيذ عملية استشهادية بطولية نوعية ضد جنود الاحتلال على حدود قطاع غزة.
وفي صباح يوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر 2001، اقتحم الاستشهاديان إبراهيم نزار ريان وعبد الله شعبان مغتصبة إيلي سناي التي كانت مقامة على أراضي شمال قطاع غزة، واشتبكا مع قوات الاحتلال ومستوطنيه، وتمكن الاستشهاديان من قتل 3 جنود وإصابة 15 آخرين حسب اعتراف العدو.
الرباط وصد الاجتياحات
لم يكتف الدكتور نزار ريان بتقديم نجله شهيدا، بل ما لبث حتى طاف بالمجاهدين لتقوية عزائمهم وشحذ هممهم ومشاركتهم الرباط وصد الاعتداءات الصهيونية المتكررة، حتى بات أيقونة للجهاد والمقاومة في قطاع غزة.
ولا تزال الذاكرة تحتفظ بصورة العالم المجاهد مرتديا بزته العسكرية، حاملا سلاحه، وتحيطه مجموعة من المقاومين من مختلف الفصائل، يتصدون لمحاولة اقتحام العدو الصهيوني لمخيم جباليا عام 2004 خلال معركة أيام الغضب.
وكذلك تحتفظ الذاكرة الفلسطينية بكلمات التحدي التي أطلقها على بعد أمتار من القوات الاحتلال المتوغلة شرق مخيم جباليا والتي كانت تستميت لاقتحام المخيم، قائلا بصوت حماسي حاد "لن يدخلوا معسكرنا يعني لن يدخلوا معسكرنا".
وحرص على المشاركة في الرباط على الثغور الشرقية لشمال قطاع غزة، والإصرار على التمركز في أقرب النقاط للعدو وأشدها خطورة، وما يتوقف عن تذكير إخوانه بأن الرابط هو المكوث في مكان تخشى العدو فيه وهو يخشاك.
وكان الشهيد ريان كثير الجولات على المرابطين ليلاً من كل فصائل العمل المقاوم، يخطب فيهم، ويشحذ فيهم الهمم، ويقدم لهم نموذجا لعالم قدّم ولده شهيدا وما زال على ذات الطريق، يتسامر معهم، ويكرمهم ويذكرهم بدورهم العظيم.
تسليح المجاهدين
عرف عن الشهيد العالم نزار ريان كرمه مع المجاهدين وحرصه على تلبية طلباتهم، وكان كثيرا ما يوفر السلاح والعتاد للمجاهد إما من ماله الشخصي أو عن طريق متبرعين يحثهم على الجهاد بأموالهم.
اقتدى العالم المجاهد بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي واصل جهاده حتى رغم تجاوزه الـ 60 عامًا، لذلك أسس مجموعات مرابطة على الثغور جميعهم من كبار السن الذي تجاوزت أعمار بعضهم الـ65، وما زالت هذه المجموعات المجاهدة ترابط على ثغور قطاع غزة.
معادلة جديدة
أسس الشيخ نزار ريان لمعادلة مضادة لهدم المنازل التي انتهجها الاحتلال عقاباً للمجاهدين وذويهم، من خلال التحذير بإخلاء المنازل ثم قصفها بالطيران وتدميرها، لكن الدكتور ريان قاد مع إخوانه حملة تحدٍ للاحتلال بالاحتشاد فوق أسطح المنازل المهددة بالقصف للحيلولة دون قصفها، ونجحت هذه المعادلة في حماية عشرات البيوت في قطاع غزة خلال عدة مواجهات.
وخلال معركة الفرقان ومع بدء العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة عام 2008-2009، هددت قوات الاحتلال الدكتور المجاهد نزار ريان بقصف منزله، لكنه أبى أن يخرج منه، وأصر أن يموت فداء لأفكاره المقاومة التي رسخها خلال السنين التي مضت.
واعتلى الشيخ نزار وزوجاته وأبناؤه سطح المنزل بتاريخ الأول من يناير، في رسالة صمود وتحد، أننا لن نُهجّر مرتين، لكن الآلة الإجرامية الصهيونية لم ترد لسياسة تدمير المنازل أن تُكسر؛ ولم تأبه للأطفال والنساء، فقصفت منزله، ما أدى إلى استشهاد العالم نزار ريان، واستشهد معه زوجاته الأربع وجميع أفراد عائلته المكونة من أحد عشر فردا، هذه المجزرة الإجرامية الصهيونية التي خلفت عدداً من الشهداء بينهم الأطفال والنساء هي سجل حافل من جرائم العدوان الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني.
ختم العالم الشهيد نزار ريان حياة ملؤها عمل وجهاد وتجهيز للمجاهدين ورباط في سبيل الله، وتحد ومقاومة وبطولة، ليموت في سبيل الله دون بيته ومبادئه وأفكاره، تاركا أثرا علميا من مؤلفات وكتب ودراسات وأبحاث، وسلوكا عمليا وتجاربَ تقتدي بها الأجيال من بعده.