تتهيأ الساحة الفلسطينية لاستئناف الحوار الوطني، والمشاورات بين حماس وفتح لاستكمال استحقاقات انهاء الانقسام الداخلي بعد ظهور اشارات بحل عقدة مواعيد اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على أساس التوالي والترابط
وكان مسار الحوار بين الفصيلين قد توقف عند لقاء القاهرة الأخير في 15 نوفمبر 2020 بسبب الخلاف حول جدولة الانتخابات الداخلية الثلاثية: التشريعية والرئاسية والوطني، الى جانب استئناف السلطة للتنسيق الأمني مع الاحتلال بالتزامن مع انعقاد حوار القاهرة ما أعاد ازمة الثقة بين الطرفين، وأسقط أحد أبرز عوامل التوافق متمثلة بقرارات السلطة وقف العمل باتفاقات أوسلو.
استئناف خطوات انهاء الانقسام جاءت بعد جهود الوساطة القطرية المصرية، من اجل إيجاد مخرج لإشكالية مواعيد اجراء الانتخابات التي طالبت حماس اجرائها بالتزامن ضمن رزمة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بينما اصرت حركة فتح اجرائها بالتتالي واشترطت خوضها بقائمة موحدة.
الانطلاقة الجديدة جاءت من الدوحة واعلن عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عبر تصريح مقتضب اكد فيه ان هناك مساع جديدة لاستئناف الحوار الوطني من أجل إنجاز المصالحة لتحقيق الوحدة الوطنية، وقال: إننا نجري اتصالات داخلية وخارجية من أجل إنجاح هذه الجهود والتحركات لاستكمال ما بدأناه من خطوات في حوارنا مع الإخوة في حركة فتح والفصائل الوطنية والإسلامية لإنجاز متطلبات الوحدة عبر إعادة بناء المؤسسات القيادية الفلسطينية، سواء منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية على قاعدة الشراكة والتوافقات الوطنية وفق إرادة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة في الداخل والخارج عبر انتخابات حرة ونزيهة.
نفس المضمون أيضا جاء في رسالة وصلت من هنية للرئيس الفلسطيني محمود عباس بحسب وكالة الانباء الفلسطينية الرسمية وفا، وتضمنت ترحيب عباس بموقف حماس، بشأن إنهاء الانقسام وبناء الشراكة وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال انتخاباتٍ ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بالتتالي والترابط.
وقد قرر عباس، دعوة الدكتور حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، للاجتماع به لبحث الإجراءات الواجبة الاتباع لإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات وفق القانون.
تكليف الرئيس عباس للقيادي في فتح جبريل الرجوب استئناف الاتصالات مع حماس يعني إعادة تشحيم حركة الرجوب واستعادة دوره الذي أصيب بانتكاسة، مقابل نشاط حسين الشيخ وماجد فرج الذين عملوا خلال الشهور الماضية على استئناف التنسيق الامني مع الاحتلال واستعادة أموال المقاصة واعتبار ذلك انتصارا للصمود الفلسطيني.
وفي حال المضي في الخطوات العملية واستكمال المشاورات مع الفصائل وفق هذا التطور الجديد، فان ذلك يعني استدعاء تفاهمات إسطنبول بين حماس وفتح، بما فيها جدولة الانتخابات والتوافق على خيار القائمة الوطنية الموحدة التي تضم فتح وحماس، وتفاصيل أخرى تتعلق باليات الشراكة في ملفات أخرى.
ان استكمال مسار التوافق الوطني، سيعتمد على مدى قدرة القاهرة والدوحة توفير شبكة امان، للمضي في استكمال بنود المصالحة التي تمس صميم حياة المواطن الفلسطيني، حتى لا تتحول الانتخابات الفلسطينية الى هدف لتجديد الشرعيات فقط، بينما يفترض ان تشكل فرصة لتفكيك أزمات المشهد الفلسطيني التي تجذرت على مدار 13 عاما.
بينما ستكون السلطة وحركة فتح امام اختبار لناحية سلوكها في الضفة الغربية سواء اتجاه تفعيل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، أو من خلال إطلاق الحريات للفصائل والقوى الفلسطينية، وانهاء ملف الاعتقال السياسي، وإلغاء اثار العقوبات على قطاع غزة.
التطور الأخيرة بشان حل عقدة الانتخابات، لا يزيل التحديات والعقبات امام حماس وفتح، مع إدراك الحركتين للضغوط والمخاطر الخارجية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، والأزمة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية في الناحيتين السياسية والمالية بعد أن تعثرت عملية التسوية السياسية مع "إسرائيل" منذ عام 2014، الى جانب الازمات في إدارة الشأن العام في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وتآكل شرعيات مؤسسات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بالإضافة الى قدرة الحركتين على خلق حالة توافق داخلي لكل منهما، حيث لا يزال تيار التنسيق الأمني مع الاحتلال يسيطر على مفاصل في حركة فتح، بينما تتهيأ حركة حماس للذهاب الى انتخابات داخلية تشارك فيها مختلف الساحات، مع وجود حالة عدم ثقة بمصداقية السلطة لدى تيار واسع في الحركة.
كما ان التطورات في المشهد الفلسطيني تتأثر بالمتغيرات المحيطة سواء في الحلبة السياسية الإسرائيلية المتجه نحو انتخابات رابعة وسط ازمة داخلية عميقه، وتوجهات الإدارة الامريكية الجديدة، التي ورثت خطايا إدارة ترامب اتجاه الفلسطينيين.
اما المشهد الشعبي المشبع باليأس والاحباط سيظل ينظر بعين الريبة والشك، اتجاه أي خطوات لإنهاء الانقسام بين حماس وفتح، ولن يعطي القيادات الفلسطينية شرعية مجانية ما لم تظهر حرصا على حل ازماته الداخلية التي تسبب بها الانقسام، ولن يستوعب شعارات الوحدة والشراكة مالم تنعكس على الأرض واقعا عمليا يحدث نقله نوعية في الواقع الفلسطيني برمته، لا ان يقتصر على تقاسم الفوائد بين الفصائل، والمحاصصة في الاطر الإدارية العليا للسلطة.
ان اي توافق فلسطيني داخلي لن يكون وطنيا ما لم يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كجبهة موحدة امام الاحتلال، والاقليم المتهاوي امام التطبيع.