في قرية صور باهر زُينت باحات دار الشيخ ناجح بكيرات، بالأزهار والبالونات الملونة، صدحت أغنيات الفرح، ثم تأهب أهل الدار بكل ما لديهم من إمكانيات لصناعة بداية جديدة لابنهم المعتقل الذي سيعانق الحيرة بعد عشرين عاما من الاعتقال.
ما هي الا دقائق ويخرج مالك، الذي اعتقل قبل عشرين عاما تاركا وراءه زوجة صبية حبلى بابنته لينا، التي تنتظره الآن.
ولكن على أبواب سجن النقب، كان المحتل يخطط لسرقة الفرحة المنتظرة، فأعاد اعتقال مالك لحظة خروجه، وبشكل مباغت، ودون ابداء أي أسباب، بل واعتقل والده بعده بساعات، ثم أعلن أنه يوجه لهما تهمة "التعبير عن الفرح" !
أربع وعشرون ساعة من الاعتقال قبل الإفراج أخيرا عن بكيرات، وكأن المحتل لا يقوى على إعطاء الحرية لأسير، وفي كل حالة انتهاء للمحكومية يعاود اعتقال الأسير لأيام أخرى أو لساعات ليكسر فرحته الأولى، والتحضيرات التي يقوم بها أهله لاستقباله.
أمجد أبو عصب رئيس لجنة أهالي الأسرى في القدس يقول معلقا على الموضوع: هذا مسلسل مستمر يمارسه الاحتلال بإجراءات متعددة بحق أبناء شعبنا، فتقدم سلطات الاحتلال على سرقة الفرحة في كل مرة وفي كل موعد حرية لأسير.
ويضيف أبو عصب: هذه الصورة التي يعبر عنها الأسير عند خروجه تقهر المحتل، ويريد أن يحرمه منها وهذا ما حدث مع مالك ووالده وعائلته، فسلطات الاحتلال لا تريد له أن يعود مرفوع الرأس، تريد منه أن يعود دون أن يستقبله أحد، لأنها ترى أن خروج الأسير المقدسي والتعبير عن حريته بكل مظاهر الفرح هو شيء يمس سيادتها، فتظل هكذا تقمع الأسير المقدسي حتى تسرق معنى الفرحة.
أعتقل الاحتلال الدكتور ناجح بكيرات، وأعاد اعتقال مالك، وحرمت لينا الصبية التي تركها طفلة من عناق كانت متأهبة له أمام باب الزنزانة، وعلى مسافة خطوتين من تحقيق الفرح، لم تر والدها، وكل ذلك بتهمة التخطيط للفرح!
ثم خرج مالك، بشرط أن يشاركه فرحة الإفراج عدد قليل من عائلته وأصدقاءه!
يصف أبو عصب ابنة الأسير مالك قائلا: عاشت لينا تسعة عشر عاما، تسير في مواسم الاعتصام، تعرضت للقمع والتنكيل واليوم تنتظر ان تحتضن والدها للمرة الأولى، ولكن الاحتلال قمع فرحة لينا، ووالدها وكل العائلة.
قصة مالك بكيرات وغيره من أسرى القدس أكثر وجعا لأن واقعهم داخل السجون أيضا يختلف عن بقية الأسرى، فهم أبناء المدينة المستهدفة الأولى والتي يسعى الاحتلال لتفريغها من أصحابها، لذلك تراه يمارس كل جبروته بكل أشكاله على الأسرى المقدسيين، وكأنه يخاف من حريتهم، فرحتهم ، وحتى من طريقتهم في التعبير عن الفرح.
يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 509 أسرى من مدينة القدس، من بينهم عشرة أطفال تقل أعمارهم عن 14 عاما، يعتقلون في مراكز الأحداث في عكا وطمرة ويركا، بالأراضي المحتلة عام 1948.
وزادت نسبة اعتقال النساء والأطفال في القدس خلال العام الحالي، ولوحظ اتباع أساليب الترهيب أثناء الاعتقال حيث اختطف الكثير من الأطفال على يد وحدة المستعربين، أو بمداهمة المنازل بعد منتصف الليل.
وفي يونيو/ حزيران 2014، أعيد اعتقال سبعة مقدسيين ممن تحرروا في صفقة وفاء الأحرار أواخر عام 2011، وفرضت الأحكام السابقة بحقهم وكان معظمها بالسجن المؤبد، هذا بالإضافة إلى شهداء الأرقام الذين يعتبرون في عداد الأسرى أيضا.
كل ما يفعله الاحتلال في القدس هو أمر مناف لكل القوانين الدولية وحتى (الإسرائيلية)، بل إن مجمل القوانين هي قوانين على ورق، فإن جاء وقت التنفيذ طبقت لصالح الإسرائيلي على حساب الفلسطيني المقدسي.
كما إن معاناة الأسرى المقدسيين لا تتوقف عند الافراج عنهم، فهم محاربون حتى في لقمة عيشهم، ومعظمهم يفقد عمله بعد الافراج عنه، بينما ترفض بعض الجهات تشغيلهم نظرا لسجلهم الأمني.
كما يحرمهم الاحتلال من أي مستحقات من مخصصات الأسرى لدى السلطة الفلسطينية ما يضاعف من مأساة واقعهم.
مالك بكيرات حر الآن، بعد عشرين عاما، رغم قهر السجان، عاش فرحته بكل تفاصيلها واحتضن ابنته، وراهن على أن يظل شوكة في حلق المحتل الجبان، كما هم أهل القدس .