أن تكون من عائلة البرغوثي يعني الصبر على الاحتلال وانتهاكاته ليل نهار، وأن تكون دائما متأهبا اما لاعتقال أو اشتباك أو الارتقاء شهيدا، أو حتى هدم منزلك أكثر من مرة.
تربى عائلة البرغوثي أبناءها منذ صغرهم على حب الوطن وعدم الخوف من المحتل بل مقارعته بقوتهم أينما وجد، فهذا نهجهم المتعارف عليه كما فعل الشيخ العنيد "أبو عاصف" حين قدم الشهيد والأسير وبقي صامدا شامخا وعائلته.
أمس الأربعاء كان الشيخ الستيني عمر البرغوثي "أبو عاصف" على موعد مع الحرية بعدما قررت محكمة الاعتقال الافراج عنه بعد اعتقال إداري استمر عدة أشهر، فهذه ليست المرة الأولى الذي يكون فيها أسيرا فهو قضى حوالي 30 سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
أبو عاصف الذي يسكن قرية كوبر شمال رام الله بالضفة المحتلة استقبلته عائلته بالزغاريد والسؤال عن أعمدة العائلة الذين يقبعون في السجون، فطمأنهم بقوتهم وصبرهم.
وقد حفرت عائلة البرغوثي اسمها بذاكرة الثورة الفلسطينية بكثير من عطائها للوطن، فالشيخ البرغوثي يعرفه الأسرى بالمقاتل العنيد، فهو الثائر الذي يرفع معنويات الجدد منهم ويردد أمامهم شعاره المعروف "المعنوية عالية والمسكوبية واطية"، ويقصد بالمسكوبية "سجن إسرائيلي في مدينة القدس".
أبو عاصف ابن السيدة "فرحة" رحمها الله، التي يصفها كل من عاش معها بصرخة فلسطين أمام أبواب الصليب الأحمر، وكانت دائماً ما تُغنّي لفلسطين وللأسرى والوطن.
دهرا أمضته الحاجة فرحة على أبواب المقرات الأممية، وهي تطالب بالإفراج عن الأسرى، انتقلت لجوار ربها دون أن يقف أولادها أمام قبرها، وقبل ذلك أمام قبر أبيهم.
تأثر كثيرا الشيخ أبو عاصف بوالدته فربى أولاده مع زوجته "سهير" على التضحية والدفاع عن الوطن، فابنه صالح استشهد في ديسمبر 2018 بعد مطاردة جنود الاحتلال له عدة أيام عقب تنفيذه عملية "عوفر" البطولية، ولديه ابنه "عاصم" الذي يتنقل من سجن لآخر، وصغيره "محمد" الذي اعتقل اخر مرة برفقته.
واعتقل الشيخ عمر أول مرة سنة 1978 برفقة شقيقة نائل وهو عميد الاسرى الان، وابن عمهما فخري، حيث قام ثلاثتهم بقتل أحد المستوطنين، وسرعان ما ألقي القبض عليهم وحكم عليهم بالسجن المؤبد، كان الثلاثة مثلهم مثل أغلب المواطنين الفلسطينيين المحافظين في تلك الأيام من مؤيدي حركة فتح ومناصريها، ومن المتأثرين بالمقاومة المسلحة التي كانت تقودها حركة فتح آنذاك.
أطلق سراح أبو عاصف في صفقة التبادل مع الجبهة الشعبية القيادة العامة عام 1985م، ولعل نوعية الأسرى الذين حرروا في تلك الصفقة مثل الشيخ أحمد ياسين وأبو عاصف ودورهم في الانتفاضة الأولى وما بعدها جعل الصهاينة يندمون على تلك الصفقة، ودفعهم للتشدد في كل الصفقات التالية.
وانخرط "أبو عاصف" في الانتفاضة الأولى مبكرا، كما مثّل الأب الحاني في مراكز التحقيق للأسرى، وقد أحبه الجميع من التنظيمات الفلسطينية كافة، لاهتمامه ومحاولته حل مشكلات المحيطين به، وفق ما أفاد به أسرى محررون، فيما تميز خارج الأسر بعلاقاته المميزة مع جميع أهالي قريته كوبر.
ويعرف عن الشيخ الثائر مواقفه الوطنية، فدوما يقف في الفعاليات المختلفة وقفة رجل وطني لا يتحدث باسم أي فصيل بل من أجل فلسطين وابنائها، يحث الناس على الالتفاف حول قضيتهم ودرء مشاكلهم الحزبية والتفرغ لمواجهة انتهاكات الاحتلال المستمرة.