حازت أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي اهتمام وسائل الإعلام العالمية، لكنها لم تصمد طويلًا أمام الخبر الأبرز الذي تلاها واحتل صدارة الأخبار بإعلان موقع تويتر إيقاف حساب الرئيس دونالد ترامب الذي يتابعه نحو 88 مليون شخص، إلى الأبد.
ويبدو تويتر بذلك كمن أدلى بصوته متأخرًا في الانتخابات الأمريكية التاسعة والخمسين، لكنه كان الصوت الحازم والأكثر ضجيجًا وصدى، وقد امتلك الشجاعة لاتخاذ قرار جريء كهذا، حين شعر بتهديد ترامب، ومدى الحاجة لعزله عن العالم الخارجي، وإسكاته وتقييده وفصل الأسلاك عنه.
هل كان تويتر محقًّا في إقفال حساب ترامب؟ وهل فقدت الشركات التقنية الكبيرة حيادها في ذلك؟ يدور حول هذه الأسئلة الكثير من الجدل، لكن تويتر في النهاية وجد أن ممارسات الرئيس تتنافى مع معاييره وسياساته بالتحريض وتهديد سِلم الولايات المتحدة، إلى درجة وجد معها أن ترامب فعلًا يستحق الشطب، لكن ماذا لو سحب تويتر معاييره على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؟
يوافق هذا الطرح مرور 16 عامًا على انتخاب الرئيس عباس في 9 يناير 2005م، أي قبل أيام قليلة، كنّا فيها منشغلين بمتابعة وترقّب طريقة خروج ترامب من البيت الأبيض، وتنصيب الرئيس الرابع للولايات المتحدة خلال مدة ولاية أبي مازن فقط.
إن كان تويتر يعتقد أنه امتلك الذريعة الكافية لإنهاء ترامب، فما حُكمه أمام التهم المكتملة الأدلّة بحق رئيس فرض عقوبات قاسية على شعبه، وقطع رواتب أسرى وشهداء وأحياء، وأطلق لسان أحد عامليه كي يقول: "أنا مقتنع بفكرة قطع الهواء عن قطاع غزة"؟!
ما قول "جاك دورسي" مبتكر موقع "تويتر" في رئيس منع شعبه من ممارسة حقه الدستوري في انتخاب من يمثله على مدار 16 عامًا، وتجاهل استطلاعات الرأي العام التي تعبر عن عدم الرضا عن أدائه، والدعوات المتصاعدة التي تطالبه بالاستقالة؟!
ما قوله فيمن عطّل المؤسسات الوطنية والتمثيلية وضرب بقراراتها عرض الحائط، وخالف الإجماع الوطني، وقدّم العلاقة مع الاحتلال على الوحدة الداخلية، واستأنف توجيهاته بملاحقة الفدائيين واعتقالهم، وانفرد بالقرار حتى أصدر منذ ولايته قرابة 200 قرار بقانون لا ينطبق عليها شروط القانون الأساسي؟!، ماذا تساوي تهم ترامب أمام هذه التهم؟!
لا يتعارض هذا الحديث مع مساعي إشاعة أجواء التوافق وترقّب إصدار مراسيم رئاسية لإجراء الانتخابات، تتويجًا لتقارب غير نابع من دافع أو رغبة حقيقية بالإصلاح والتحديث، إنما هي صراحة مطلوبة وسابقة لرغبة معاليه في الموافقة على الاستحقاق من عدمها؛ كي لا نبدو مثل الشعوب التي تستبدل بالطغاة الغزاة.
من أجل ذلك يجب أن ندفع باتجاه ضمان عدم إعادة إنتاج الانقسام من جديد، وهذا أصعب تحدٍّ سيخوضه شعبنا، وهي فرصة كي نملك شجاعة الآخرين أو نُظهر شجاعتنا، دون الحاجة إلى تحريض، في القدرة على إزاحة وعزل كل من كان سببًا في معاناتنا وسلّط الآخرين علينا.
لا يوجد من يدافع عن ترامب غير فريقه، ولا يملك "جاك دورسي" للإجابة عن الأسئلة أعلاه غير القول "إن هدفنا في كل ما نفعله هو دفع الناس ليكونوا أكثر جرأة"، ورغم أن صورة البلد الذي يحاضر علينا بأخلاقياته، اهتزّت، إلا أن ترامب أقرّ أخيرًا بالهزيمة. وعند هذا الحدّ من المقال سيصل قارئ ويسأل: "يا أحمد الكومي أنت تشبّهنا بأمريكا؟"، معك حق، لأمريكا حق النقض ولنا الأنقاض.