الرسالة نت - مها شهوان
من خلف ماكينة الخياطة عدلت أم لؤي 47 عاما من جلستها بعدما كانت محنية الرقبة لتدخل الخيط بثقب الإبرة لانجاز طلبات زبائنها، فعملها بالخياطة مصدر رزق عائلتها المكونة من سبعة أفراد .
تلك السيدة التي شقت علامات البؤس محياها ليست أرملة أو مطلقة فهي متزوجة من رجل هجرها وأبناءها وفر إلى الخارج بعدما كثر طارقو باب بيته من أصحابه الذين استدان منهم الكثير من المال .
تقول أم لؤي:"منذ أن سافر زوجي لم يتصل سوى مرتين ومن بعدها لم نعرف عنه شيئا إلا من الأقارب ،فكنت الأم والأب في آن واحد".
وأضافت بكلمات تخنقها العبارات:" سمعت من أقاربي أن وضع زوجي تحسن فما كان منه إلا أن تزوج من أخرى وأنجب منها دون أن يكلف نفسه ويرفع سماعة الهاتف للاطمئنان على أبنائه"، موضحة أنها كثيرا ما تمنت وجوده بجانبها لاسيما حينما زوجت بناتها .
"الرسالة نت" طرحت هذه المشكلة التي لم تكن أم لؤي الوحيدة التي عانت منها، للتعرف على دور الأب في رعاية أبنائه ومدى تأثير غيابه عن عائلته.
وصمة العار
"ما بدي حدا بالبيت كلكم اطلعوا برا" تلك العبارات اخترقت جدار بيت أبو رامي لتشق طريقها إلى مسامع الجيران فما كان من الزوجة المسكينة سوى أن تخرج بأبنائها الثلاثة إلى بيت أهلها بخطوات مرتجفة خشية أن يلحق بها الأذى من زوجها الذي يغيب عن وعيه لإدمانه على الكحول والمخدرات فوجوده كعدمه حسب قولها.
تقوم أم رامي 39 عاما والحزن يكتسي محياها:" عشت معه عشرين عاما ولم أتذوق طعما للامان برفقته ، ولم يتحمل مسئولية بيته فكان سكيرا طيلة الوقت وأي مال يقع في يده يصرفه على نفسه وأحيانا يسافر".
وتابعت: "تعرضت للإهانة كثيرا خاصة حينما أطرق أي باب لتأمين لقمة تسد رمق أبنائي، بالإضافة إلى أن أهلي لم يعودوا يتحملونني كما السابق وحينما أطرق بابهم في زيارة عادية يتأففون ويظنون بأنني أتيت لأخذ المال أو الطعام".
وبحسب قول الزوجة الكثير من رجال أهل الخير تحدثوا لزوجها ليعدل عن أفعاله لكنه يعاند ويصر عليها دون مراعاة لسمعة أبنائه ووصمة العار التي ستلحق بهم بسببه.
المعاناة ليست حكرا على زوجة هجرها زوجها، زوجة رفضت ذكر اسمها قالت أن زوجها طبيب ولم يتزوج عليها ولم يهجرها، ولكنها رغم ذلك لا تراه، فهو مشغول بين عيادته وعمله حتى ساعات متأخرة من الليل.
وتضيف زوجة الطبيب أن زوجها عندما يعود يقع كالجثة الهامدة، حسب وصفها، من شدة التعب، دون أن يرى أبناءه إلا مرة واحدة بالأسبوع لا تتعدى الدقائق، حسب قولها.
وأوضحت زوجة الطبيب:"يشعر أبنائي بالخجل من والدهم ولا يستطيعون طلب أي شي منه ،ودائما ما يدفعونني لأطلب ما يحتاجونه،وحينما أقول له بأن الأبناء بحاجة له يختلق الحجج الواهية مدعيا أنه لا ينقص عليهم شيئا ".
الضبط الاجتماعي
من جهته قال الأخصائي النفسي د.أنور العبادسة :" الوالدان لهما دور أساسي في صناعة شخصية الأبناء وتنشئتهم لأنهم مادة خام قابلة لتشكلهم الأسرة والمجتمع " ،موضحا أن الأم تمنح أطفالها الاحتياجات الفسيولوجية والعاطفية ،بينما يلعب الأب دورا في عملية الضبط الاجتماعي وتكريس المعايير فكلاهما يكمل الآخر.
وعن غياب الأب أوضح أن ذلك يسبب خللا ينعكس بالسلب على الأبناء ،مرجعا ذلك إلى أن انسحاب الأب يجعل دوره فارغا مما يفاقم الأمور التي تقع على عاتق الأم ويسبب لها الضغوطات النفسية.
وأشار العبادسة إلى ضرورة أن يكون الأب حاكما لأبنائه بدلا من انسحابه الذي يؤول إلى فقدان جزء من عملية التوجيه الطبيعي والدور الأساسي كضابط للحياة الأسرية وسلوك أبناءه داخل البيت، مؤكدا على أن الأبناء في مرحلة المراهقة من الصعب ضبط سلوكهم في ظل غياب الأب.
وحول مدى تأثير غياب الأب على الأم وتحملها مسئولية الأبناء كاملة قال الأخصائي النفسي:"انسحاب الأب يؤدي إلى زيادة الضغط عليها واضطرابها وشعورها بضغط لا تستطيع أن تتحمله مما يتسبب لها بالقلق لعدم تحملها الضغوطات لاسيما في حال عدم سيطرتها على الأبناء وينعكس سلبيا على صحتها النفسية"، مشددا على أن المرأة بحاجة إلى الرجل ليساعدها.
العقاب رباني
بدوره تحدث الداعية الإسلامي د.حازم السراج عن دور الأب مستشهدا بالحديث الشريف" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "، مبينا أن الأب مسئول عن بيته وفي حال عدم استطاعته القوامة عليه يؤدي ذلك لمشاكل عدة تجعل المرأة تخرج من بيتها لتقوم بمسئولياتها مما يؤثر على تربية الأطفال.
ولفت إلى أن الدين الإسلامي أمر الرجل بالقيادة والقوامة في بيته ومن يتنصل عن ذلك كأنه أنكر الدين ،منوها إلى أن الدين حمى البيت من خلال وفاء الرجل للمرأة وحفظ العرض والبيت.
وفيما يتعلق بالأب الذي يتنصل من دوره الأبوي ويلقي بالحمل على زوجته قال السراج :الإسلام كرم المرأة والزوج الذي اختارها لذلك فهو مسئول عن كل شي وإذا تنكر عن مسئولياته لابد من عرضه على القاضي ليعلو صوت الحق".
وأضاف أن العقاب الرباني شديد في الدنيا والآخرة لهؤلاء الآباء الذين يرون أبناءهم يكبرون أمامهم دون رعايتهم.
وفي الختام لابد من توجيه دعوة للآباء أن يكونوا إلى جانب أبنائهم وفهم احتياجاتهم حتى يكون مجتمعنا معافى من الأمراض النفسية والعدوانية.