تأتي نسبة الإقبال على التسجيل للانتخابات في مدينة القدس المحتلة الأقل بين المحافظات الفلسطينية، ما يستدعي البحث في أسباب عزوف المقدسيين عن التسجيل، لا سيما من يحق لهم التصويت خلال السنوات التي تلت انتخابات عام 2006.
وفي تفاصيل النسب، أفادت لجنة الانتخابات المركزية أن من يحق لهم التسجيل للانتخابات في مدينة القدس يبلغ عددهم 118.788، في حين بلغ عدد من سجلوا في كشوفات اللجنة 82.910، لتصبح نسبة المسجلين من العدد الإجمالي للذين يحق لهم التسجيل 69.8%.
وللقدس خصوصية دون بقية المحافظات نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، إذ ترتب على اتفاقيات أوسلو الأولى (1993) والثانية (1995) تعقيدات لا حصر لها للفلسطينيين المقدسيين المقيمين تحت حكم الاحتلال (الإسرائيلي) الكامل في المنطقة التي تسمى "قدس 1"، وذلك خلال المرحلة الانتقالية التي كان يفترض أن تنتهي بحل نهائي يشملهم عام 1999، وزادت هذه التعقيدات تفاقما مع عدم تحقق هذا الحل النهائي حينذاك وبالتالي تمديد المرحلة الانتقالية حتى اليوم.
ومنع الاحتلال دخول القدس في الانتخابات البلدية الفلسطينية بعدما حل بلدية القدس الفلسطينية (أمانة القدس) عام 1967.
وفيما يخص الانتخابات التشريعية والرئاسية، فقد أصر الاحتلال على أن تجري في منطقة "قدس 1"، الخاضعة بشكل كامل للاحتلال، في مكاتب البريد التابعة للبريد (الإسرائيلي) فقط، وترسل منها بمظاريف بريد لا تحمل أي شارة أو رمز فلسطيني، وألا يزيد عدد المصوتين عن القدرة الاستيعابية لمكاتب البريد الخمسة التي تم تحديدها لانتخابات عام 1996 وتمت زيادتها إلى ستة مكاتب بريدية عام 2006.
وبناءً على هذه التقييدات صوت 5327 مقدسيا فقط في مكاتب البريد للانتخابات التشريعية والرئاسية عام 1996، وصوت 6300 منهم في الانتخابات التشريعية عام 2006 حسب إحصاءات لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية. فيما صوت مئات آخرون فقط من مقدسيي "قدس 1" في مراكز الاقتراع الفلسطينية في "قدس 2".
وخلال الانتخابات سُيّجت مكاتب البريد في "قدس 1" بحواجز شرطية (إسرائيلية) على كل مداخلها وحُوّلت إلى ثكنات عسكرية، كما سرت شائعات كبيرة مفادها أنه سيتم سحب الهوية المقدسية من كل من يشارك من المقدسيين في الانتخابات الفلسطينية.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الدكتور وليد سالم، الأستاذ المساعد في جامعة القدس إن أهم الأبعاد التي جعلت المقدسيين يستنكفون عن المشاركة بكثافة، يتعلق بما يمثله المجلس التشريعي للمقدسيين على ضوء كون هذا المجلس هو الهيئة التي تشرع وتسائل وتراقب عمل سلطة وطنية فلسطينية انتقالية لحكم ذاتي وممنوعة من)إسرائيل(، ووفق الاتفاقيات يمنع أن يكون لها دور بينهم.
وأضاف: "أثيرت أسئلة مقدسية مختلطة بالتزامن مع الإعداد لانتخابات فلسطينية جديدة، ومن هذه الأسئلة: ماذا قدم أعضاء المجلس التشريعي في الدورات السابقة للقدس؟ هل ستسمح )إسرائيل( لأعضاء المجلس التشريعي والسلطة بالعمل في القدس؟ وماذا تقدم السلطة الوطنية الفلسطينية للمدينة؟ وبناء عليه، هل يمكن اعتبار مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2021، مجدية؟".
وتابع: "لم يقم أعضاء التشريعي بدورتيه ولا السلطة بمسؤولياتهم كاملة تجاه القدس سواء لقصور ذاتي أو نتاجا في الأغلب عن ممارسات الاحتلال المترتبة عن الاتفاقات المعقودة والتي تمنع أعمال وأنشطة السلطة في القدس، طالما لا يوجد حل نهائي يشملها.
وأشار إلى أنه مع الانتخابات الفلسطينية لعام 2021 من المتوقع لهذه التعقيدات أن تزيد تفاقما، سيما بعد الإجراءات التي ترتبت على "صفقة القرن" من نقل السفارة الأميركية من (تل أبيب) إلى القدس.
ويبن أنه من غير المعروف بعد ما إذا كانت (إسرائيل) ستقبل بعقد الانتخابات التشريعية داخل القدس، والأكثر تعقيدا هو انتخابات الرئاسة الفلسطينية التي نص المرسوم الرئاسي للانتخابات على أنها "انتخابات لرئاسة دولة فلسطين" وهو الأمر الذي قد لا تقبل به (إسرائيل) لأنه لم يُتّفق على إقامة دولة فلسطين عبر المفاوضات بعد.
من جهته، أكدّ فخري أبو دياب عضو لجنة الدفاع عن سلوان، أن ضعف إقبال سكان القدس على التسجيل يعود إلى حالة الإحباط واليأس التي تسيطر على سكان المدينة، نتيجة تجاهل السلطة والمؤسسات الرسمية لهم طيلة الفترة الماضية.
وقال أبو دياب في اتصال هاتفي مع "الرسالة نت" إنّ المدينة لم تحظ بأي اهتمام حقيقي من طرف السلطة ولم يكن للأخيرة أي دور فاعل في مواجهة الإجراءات التهويدية التي تعرضت لها المدينة باستثناء بعض الشعارات.
وأوضح أن الانتقام من إرادة المقدسيين بحبس نوابهم واعتقالهم وتجاهل صوتهم دفع السكان لتجاهل قضية الانتخابات، مشيرًا إلى أنّ المزاج الشعبي العام لدى السكان المقدسيين، هو عدم التوجه للانتخابات في ظل ضعف دور السلطة واهمالها للمدينة، لافتا إلى أن المطلوب هو اختيار من يمكنه أن يهتم بالمدينة ويضعها ضمن أولوياته الوطنية.