أكدّت شخصيات قانونية وسياسية ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع الملف القانوني المرتبط بمحاكمة الاحتلال في محكمة الجنايات بلاهاي، والعمل على تعزيز هذا المسار سياسيا وقانونيا ودبلوماسيا، وارفاده بمقومات القوة الرسمية والشعبية والحزبية.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها مركز الدراسات السياسية والتنموية cpds حول "قرار محكمة الجنايات الدولية بشأن فلسطين - الآثار السياسية والقانونية"، الأربعاء، في مقره بمدينة غزة.
د. محمد أبو الهيجا الخبير القانوني والمحقق في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أوضح بدوره، أن ّالسلطة الفلسطينية بموجب انضمامها لميثاق روما عام 2014، أصبحت تملك الحق القانوني بالمطالبة بالتحقيق في جرائم وانتهاكات الاحتلال.
وقال أبو الهيجا خلال مداخلته، إن الصلاحية الزمنية للمحكمة بدأت بعد الانضمام من الناحية العملية ويمكن الطلب بالتحقيق في جرائم سابقة عبر نظم وآليات مختلفة.
ولفت إلى أن السلطة طالبت بفتح تحقيقات أولية تعتمد على تقارير دولية، وهي الخطوة التي تمت بعد خمسة سنوات عبر تأكيد المحكمة اختصاص ولايتها في التحقيق بهذه الجرائم.
وبين أن الولاية تمتد لغزة والضفة والقدس الشرقية، دون أي صلاحية داخل الأراضي الإسرائيلية.
ونبه لوجود ضغوط عديدة مورست على الادعاء العام للمحكمة، مشيرا إلى وجود احتمالين للتعامل مع مجرمي الحرب، أولها صدور أوامر اعتقال سرية أو أن تلجأ سلطات الاحتلال لاستيعاب المحكمة والدفاع عن مجرميها.
وذكر أن المحكمة لا يمكن وقف تحقيقاتها الا بحديث الادعاء عن استنفاذ الوقت، منبها الى أن هيئة الادعاء الجديدة التي ستتولى الادعاء في شهر يونيو المقبل، لا يمكنها الغاء قرار فتح التحقيق.
وأكدّ أن الجانب الفلسطيني مطالب بمتابعة ما يحصل في المحكمة، وتزويدها بما تحتاجه من معلومات ووثائق.
ونبه في الوقت ذاته لضرورة الانتباه لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية كونها تحت نظر مكتب الادعاء، "وهذا يستدعي من السلطة الفلسطينية الانتباه لأي تصرف".
مطبات ومحطات
د. صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة العالمية لدعم الشعب الفلسطيني "حشد"، وصف من جهته، قرار المحكمة بـ"التطور الحقيقي في مجال القانون الدولي والإنساني، بما تمثله من فرصة لمحاسبة مجرمي الحرب وعدم افلاتهم من العقاب".
وأوضح أن المحكمة خصصّت لـ4 عناوين من الجرائم وهي "العدوان والحرب والابادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية"، لافتا إلى أن عمل اختصاصها بدء من 2002، بعد انضام 55 دولة لها، "ومنذ ذلك الفترة بدأت ولاية المحكمة زمانيا وعالميا.
وذكر أن انضمام فلسطين للمحكمة، تطور لافت، أوجد نوع جديد من الصراع مع الاحتلال يتمثل في البعد القانوني.
وشرح عبد العاطي ظروف الانضمام، في ضوء محاولة رئيس السلطة محمود عباس الضغط على إسرائيل للعودة للتفاوض، و"تأخرنا في تقديم طلب العضوية للأمم المتحدة إلى حين تحققت عام 2012، ثم تأخر بالانضمام لميثاق روما المنشأ للمحكمة حتى جاء عدوان 2014، ووقع على الانضمام".
ومع بداية نيسان لعام 2015، انطلقت حملات للضغط على قيادة السلطة من ناحية للقيام بدورها في الحد الأدنى، وحملات ضغط مماثلة على مكتب الادعاء عبر تقديم عديد مذكرات الإحاطة لها خلال تلك المرحلة.
وبين أن فتح التحقيق من مكتب الادعاء، لا يتم الا بثلاثة خطوات وهي "إحالة مجلس الأمن وضعا للمحكمة الجنائية وهذا عمليا غير متحقق في الحالة الفلسطينية نظرا للانحياز الأمريكي للاحتلال".
وأضاف أن الخطوة الثانية تتمثل في قيام مكتب الادعاء من تلقاء نفسه بفتح طلب تحقيق وهذا أيضا لم يتحقق.
أما الخطوة الثالثة فتتمثل الانضمام للمحكمة والطلب المباشر كدولة بالطلب في هذا التحقيق.
وذكر أنّ السلطة شكلت لجنة وطنية برئاسة الدكتور الراحل صائب عريقات، "وغلب عليها الطابع السياسي واستخدمت كغطاء في محطات للتنصل من التزام السلطة بإحالة الملفات لمكتب الادعاء".
ونبه إلى أن طلب الفحص الأولي يختلف بالكلية عن طلب إحالة الملف، فالأول يعني "التماس ضرب المعلومات من منظمات المجتمع المدني، ليقرر مكتب الادعاء هل ثمة أساس معقول يستلزم تحقيق جاد في الجرائم بمنطقة محددة من عدمه".
وذكر أن هذا الأمر قد يأخذ وقتا طويلا وليس بالضرورة قد يؤدي الى فتح تحقيق من طرف المحكمة في نهاية المطاف.
وبين أنه بموجب المادة 14 تستطيع فلسطين باعتبارها طرفا في المحكمة، أحالة 3 ملفات وهي الأسرى والمعتقلين ولهذه اللحظة لم يحل ملفهم، والعدوان على القطاع وملف الحصار ولهذا الوقت لم يحل، والاستيطان الذي أحيل على إثر ملف العودة.
وذكر أن فلسطين التحقيق في جرائم الاحتلال سيكون بعد جرائم 2014، وما قبلها لها اليات خاصة بها يمكن استصدارها عبر قرارات دولية أو الطلب بتشكيل محاكم خاصة أو عن طريق استخدام القضاء الوطني في محاسبة الإسرائيليين.
وشدد على ضرورة تشكيل استراتيجية وطنية تتجاوز حالة التفرد الحاصل في السلطة، فأي تأخير في إحالة ملفات الضحايا هي اهدار لدمائهم.
وأكدّ أن محكمة العدل العليا أقرت أن فلسطين أراضي محتلة، كما أشار إلى ضرورة فضح سياسات الدول المتضامنة مع الاحتلال على خلفية محاولة محاسبته في الأمم المتحدة.
استراتيجية وطنية
وأيده هاني الثوابتة عضو اللجنة المركزية بالجبهة الشعبية، الذي أكدّ أن المعترك القانوني مهم للغاية وينبغي أن يراكم التجربة، مطالبا بوضع رؤية استراتيجية وطنية تعالج المكاسب والمخاوف والتداعيات المنضوية على هذه التجربة.
وقال الثوابتة إنّ قضية المحكمة تحتاج لتفكير عميق من الجهات القانونية التي يجب أن تستأنس الجهات السياسية بتوجهاتها وقراراتها.
ونبه لخطورة أي ارتجالية أو فردية أو اقصائية في التعامل مع هذا الملف، أو مقايضته في عملية تفاوضية مع الاحتلال خاصة مع مجيئ إدارة بايدن.