لا انتخابات دون القدس.. شعار رفعته السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة ورددته كثيراً، وهو محل إجماع وطني، لكن السلطة رفعته دون أن تشرح للمواطن الفلسطيني والمقدسي تحديداً آليات إجراء الانتخابات، ولماذا تفترض أن الاحتلال الإسرائيلي قد يمنع إجراءها، وكان قد سمح بذلك في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1996 وعام 2006.
تمسكت السلطة بالشعار دون أن تقدم أي خطوات فعلية على الأرض تساهم في اجراء الانتخابات في القدس وتزيل العراقيل الممكنة، اكتفت بالقول دون فعل على الأرض.
لاسيما أن الواقع الجغرافي والديمغرافي في المدينة المقدسة يفرض نفسه بقوة على السلطة والفصائل وعلى لجنة الانتخابات التي ستشرف على العملية برمتها، حيث أن القدس هناك مقسمة إلى منطقتين.
وبحسب دراسة أعدها المركز الدولي للدراسات القانونية بشأن تقسيم لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية للقدس، المنطقة الأولى هي ضواحي القدس وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية وتحتوي على 30 تجمعا سكانيا يعيش فيها 164 ألف نسمة يحملون الهوية الفلسطينية، 94 ألفًا منهم يحق لهم الاقتراع في الانتخابات الفلسطينية العامة، والثانية هي منطقة شرقي القدس وتخضع لإدارة بلدية القدس، وتبسط (إسرائيل) سيادتها عليها، ويقيم فيها 298 ألف مواطن فلسطيني يحملون هوية زرقاء، 175 ألفًا منهم يحق لهم الاقتراع في الانتخابات العامة الفلسطينية.
ما يعني أن مسألة الانتخابات في القدس ليست جامدة وتحوي الكثير من التفاصيل التي يمكن سردها فيما يتعلق بمشاركة المقدسيين ترشحاً وانتخاباً، لكن اللافت أن الشعار الذي يرفعه البعض لمجرد إيجاد ذريعة لإلغاء الانتخابات.
المحامي والناشط الحقوقي د. عصام عابدين قال إنه لا يحق للرئيس إلغاء الانتخابات، لا بذريعة الانتخابات في منطقة القدس المحتلة ولا لأي سبب آخر، ولا يوجد نص في القانون الأساسي (الدستور) وقرار بقانون الانتخابات العامة 2007 وتعديلاته والمنظومة التشريعية الفلسطينية يمنحه هذه الصلاحية على الإطلاق.
ولفت إلى أن التأجيل يمثل اعتداءً خطيراً على الدستور (العقد الاجتماعي) وإرادة الشعب مصدر السلطات، ومرسوم إجراء الانتخابات "كاشف" عن حق طبيعي ودستوري راسخ في القانون الأساسي ولا يخوله إلغاء العملية الانتخابية".
وأكد عابدين في مقال له أن إلغاء الانتخابات حال منعتها سلطات الاحتلال في منطقة القدس الانتخابية يتعارض أيضاً مع القانون الأساسي وقرار بقانون الانتخابات العامة ذاته لأنه لا يؤثر في شرعية ومصداقية الانتخابات العامة التي تقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل على اعتبار أن الأرض الفلسطينية المحتلة دائرة انتخابية واحدة لغرض الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية.
واعتبر أن انتظار موافقة سلطات الاحتلال على إجراء الانتخابات في منطقة القدس المحتلة هو بحد ذاته إجراء محظور في القانون الدولي لأنه يعني التخلي عن حقوق سيادية على جزء من الإقليم المحتل على نحو ينتقص من حقوق الشعب الواقع تحت الاحتلال، وينتقص من حق الشعب الفلسطيني في تجسيد السيادة على أرضه في مسار الحق في تقرير المصير.
وأمام المشهد المعقد في القدس فلابد ان تتعامل السلطة ولجنة الانتخابات وفقا للواقع المفروض ما يطرح عدة سيناريوهات بديلة لإجراء الانتخابات في القدس: الأول: مشاركة المقدسيين المقيمين في ضواحي القدس خارج الجدار وذلك عبر مراكز الاقتراع التي ستحددها لجنة الانتخابات بحيث تكون مناسبة لاقتراع المقدسيين وفي المناطق التي يكون التواجد الأمني للاحتلال محدودا. الثاني: المقدسيون داخل الجدار، وهي المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الكاملة للاحتلال، وربما يضطرون للخروج إلى أماكن بعيدة عن أماكن سكناهم للاقتراع أو أن تضع اللجنة محطات الاقتراع في تلك المنطقة في محاولة لإحراج الاحتلال أمام المجتمع الدولي.
وكانت لجنة الانتخابات المركزية قد قالت إنها أمام سيناريوهين فيما يتعلق بالقدس، الأول: سيناريو الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، عبر اعتماد صناديق البريد التي تمت بموجب اتفاق أوسلو، حيث تضمنت ملحقا خاصا يتعلق بالانتخابات الفلسطينية. وتنص المادة (6) من ملحق ترتيبات الانتخابات في القدس، بأن يتم الاقتراع في شرقي القدس عبر مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية، وفي عام 1996 تم الإعلان عن السماح بالتصويت في 5 مراكز بريد، وفي عام 2006 سمح بالتصويت في 6 مراكز.
أما السيناريو الثاني فهو انتظار نتائج ضغط المجتمع الدولي لاسيما الاتحاد الأوروبي على سلطات الاحتلال، من أجل تسهيل العملية الانتخابية في الأراضي المحتلة.