يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، ألقت الحبل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كي تساعده في الخروج من الهوة التي وجد نفسه فيها بسبب الضغط الأوروبي والإقليمي عليه ودفعه لتجديد الشرعيات وإجراء استحقاق الانتخابات الفلسطينية.
ولعل "طوق النجاة" هذا تمثل في الرسالة التي وصلت لقيادة السلطة مؤخرا من الإدارة الأمريكية وفحواها أن الأخيرة لا تمانع إرجاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الوقت الحالي.
ونقلت قناة مكان العبرية عن مصدر في واشنطن إن الإدارة الامريكية لا تمانع ارجاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية إذا ما اختار الفلسطينيون موعدا ملائما أكثر.
وأضاف المصدر لصحيفة القدس المقدسية أن الولايات المتحدة تنظر بإيجابية إلى مشاركة الفلسطينيين في العملية السياسية لانتخاب ممثليهم وقياداتهم، كما أنها تعي التحديات التي تواجههم وهي تعقيدات المشهد السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة وأزمة كورونا والمأزق الاقتصادي.
وردا على سؤال الصحيفة حول وجود اتصالات بين إدارة بادين والقيادة في رام الله بشأن ارجاء الانتخابات أجاب المصدر ان البيت الأبيض لا يزال صامتا بهذا الخصوص لان هذا شأن فلسطيني.
ومع ذلك بين أن هناك اتصالات أمريكية فلسطينية على مستوى فرق العمل تتناول مجموعة من القضايا منها تقديم الدعم المالي والاقتصادي ومساعدة الأونروا وإعادة العلاقات بين الجانبين مما يؤدي الى دفع حل الدولتين قدمًا.
وبحسب الادارة الامريكية، فإن صعود جهات تعارض حل الدولتين، سوف يؤثر على هذا الحل، في إشارة إلى فوز حركة حماس.
ما سبق يمكن أن يفجر المشهد الفلسطيني الداخلي ويدفع نحو تعزيز الانقسام وتعميق الخلاف، لا سيما وأن حركة حماس وعبر عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق، قد أكدت في وقت سابق رفض الحركة تأجيل الانتخابات الفلسطينية تحت أي ذريعة.
وقال أبو مرزوق في تغريدة نشرها عبر "تويتر" قبل أيام، "نحن نريد تجسيد الإرادة الحرة للناخبين الفلسطينيين، ولا لاستثناء المقدسيين من التصويت"، مضيفا في الوقت ذاته "نريد مرشحين ذوي مصداقية ونزاهة وانتماء، ولا نريد من السلطة أن تستخدم أدواتها لدعم مرشحين بعينهم".
حبل انقاض
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن، أن ما سبق سيمثل حبل الإنقاذ الذي جاء لعباس وفريقه، مردفا أنه وحتى لو كان الخبر اختلاقا (إسرائيليا) فانه يعني أن (إسرائيل) تُمهد لإيجاد المبرر الكافي والدافع الملائم لعباس للخروج من أزمته السياسية المقبلة لو خاض العملية الانتخابية.
ويوضح محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن التسريب يعني أن الولايات المتحدة لديها رؤية دولية تقودها الإدارة الجديدة وتدافع فيها بالنيابة عن قيادة السلطة وتعمل على إخراجها من الحرج الدولي فيما لو ذهب عباس لإرجاء الانتخابات أو إلغائها.
ويشدد على أن الوضع الفلسطيني أمام مشهد غير واضح المعالم خاصة مع اقتراب موعد العملية الانتخابية والبرود السيئ من قيادة السلطة في قضية انتخابات المقدسيين وإعلانهم المتكرر أنه لا انتخابات بدون القدس دون أن يكون لديهم مفاعيل على الأرض يمارسونها من أجل تحشيد وتوحيد الموقف الفلسطيني والذهاب به للحالة الدولية من أجل الضغط على الاحتلال.
ويلفت محيسن إلى أن قيادة السلطة أعلنت قبل أيام أن هناك اجتماعا للتنفيذية لتدارس انتخابات المقدسيين، دون أن تشارك فيه الفصائل الكبيرة الأخرى، وهو ما يمثل نوعا من الاستكبار الذي يمارسه عباس في إدارة ملف وطني كبير كموضوع القدس.
خشية دولية
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي وسام أبو شمالة أن العامل الأبرز الذي دفع الرئيس الفلسطيني إلى إصدار المرسوم الانتخابي هو الضغوط الأوروبية التي باتت تدرك فقدان الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، وهي الممول الأبرز لها، كما أن الموقف الأميركي لإدارة بايدن شجع على إجراء الانتخابات من دون أن يشكّل ضغطاً على السلطة.
ويضيف أبو شمالة في مقال له بعنوان "مصير الانتخابات" أنه ومن خلال استعراض مواقف الأطراف من إجراء الانتخابات، نجد أن أكثر ما يخشاه كل من السلطة والاحتلال تعزيز قوة "حماس" في الضفة الغربية، ما يشكل تهديداً لهما.
ويبين أن الأطراف الإقليمية لا ترغب في إجراء الانتخابات أيضاً، فهي تخشى فوز "حماس"، ما سيعزّز مواقف المعارضة الإسلاميّة في بلدانها، والولايات المتحدة ترغب نظرياً، وتؤيد علناً، إجراء الانتخابات، لكنها لا تخفي خشيتها من فوز "حماس".
الموقف الوحيد الذي يدفع بقوة نحو إجراء الانتخابات هو الدول الأوروبية، وخصوصاً المانحة للسلطة، ودافعها الرئيس هو عدم دعم سلطة غير منتخبة ولا تتمتع بشرعية دستورية، وهو ما يتعارض مع قوانينها ومبادئها.
ويختم بالقول إن مصير الانتخابات الفلسطينية التي لا ترغب في إجرائها أطرافها الرئيسية - كل وفقاً لمصالحه وحساباته - ما يزال مجهولاً، ولكنه قد يصبح ممراً إجبارياً لن يستطيع أي طرف تجاوزه.