منهن من قضت عشرات السنوات، وهذا يعني عشرات "الرمضانات "خلف القضبان، فكان طعام الإفطار مرا، وصلوات التراويح تلفها الدموع والوحدة، فكيف كان يمر شهر رمضان على الأسيرات خلف القضبان، لا سيما من تركن وراءهن أطفالا؟.
ذكريات مختلفة بين عام وعام، وزمن وآخر، حيث تغيرت الأزمان بانتصارات مختلفة للأسرى عبر سنوات من الاضراب، وبين هذا تستذكر الأسيرات رمضان، بحزنه وأوجاعه وجوعه.
عاشت الأسيرات تجارب مختلفة كانت العزيمة بطلتها المشتركة واستذكرت معنا الأسيرة رحاب السالمي رمضان قديما حينما أسرت ثلاث سنوات متتالية بدأتها في عام 87 حيث كانت أوضاع الأسيرات في ذلك الوقت أسوأ وأكثر تضييقا؛ فلم يكن يسمح لهن بالاجتماع، ولا بإعداد شيء من الطعام ولا حتى بإدخال بعض المشروبات الأساسية مثل القهوة والشاي.
وتستذكر السالمي أكثر ما تستذكره دموعها الكثيرة التي كانت تذرفها في كل موعد إفطار، حينما تتذكر أطفالها الثلاثة وقد تركت أكبرهم بعمر الثانية عشر وتقول: "كنت كالقطة التي سرقوا منها أطفالها، كلما سمعت نسمة هواء عابرة أبكي".
وعن الطعام الشحيح والنفس الصائمة خلف الزنزانة تقول: "كان الأكل سيئا جدا، وكنا نتحايل بعض الأحيان، فنأخذ بصلة "ذبلانة" نقليها مع قليل من الزيت فوق عين النار في الزنزانة، ونقلبها مع علبة من السردينة، لنصنع طعاما لعله يكون أفضل من الطعام السيء الذي كانت تقدمه إدارة السجن.
ولأن القهوة كانت شحيحة أيضا، تقول السالمي: "كنا نصنع ركوة واحدة من القهوة "بتلقيمة" واحدة، لأن القهوة أيضا منعت في ذلك الوقت، من لديها قهوة أتتها في زيارة من أهلها تصنعها وتمر بها على الأسيرات جميعهن لترتشف كل أسيرة منا رشفة واحدة.
الكنتينة في ذلك الوقت كانت ممنوعة، ولم يكن الأسرى يصنعون طعامهم بأنفسهم، وحتى ملابس الصلاة كنت ممنوعة، فكانت الأسيرات يصنعن ملابس الصلاة من أغطية الأسرة، غير الكافية أصلا، فيصلين بها نهارا ويتغطين بها ليلا.
الأسيرة المحررة سعدية الصعيدي خاضت تجربة الاعتقال خمس سنوات متتالية، وأكثر ما تستذكره في رمضان هو دموع الأمهات الأسيرات، في كل وجبة إفطار كانت تذرف الدموع وتسترجع الذكريات ولكن تلك الدموع لم تكن هي فقط ما ينغص أجواء رمضان على الأسيرات.
فتقول الصعيدي: "أكثر ما كان يضايقنا أن الاحتلال يشعر في رمضان بوحدة الأسرى، فكان يستكثر علينا أن نجتمع، كان يكره التجمع للصلاة، أو أي تجمع يزيد عن خمسة أسرى لتبادل الدروس الدينية في نهار رمضان، وكان يخيفه تجمعنا على الطعام في وقت واحد، فكان يتعمد تفريقنا على الدوام"
وبالطبع تستذكر الصعيدي الطعام السيء، والفاصوليا التي لا تنسى طعمها الرديء، وقد كانت تقدم للأسرى حينما اعتقلت في بداية التسعينات قبل أن يخوضوا اضرابهم ويطالبوا بتحسين الوجبات وإدخال أنواع الطعام الممنوعة.
هناك ما يقرب من 37 أسيرة لا زلن خلف القضبان يقضين هذا الشهر بعيدا عن عائلاتهن، وأولادهن، ومنهن خمس أسيرات يعانين ظروفا صحية صعبة وعلى رأسهن الأسيرة إسراء الجعابيص، وروان أبو زيادة ونسرين أبو كميل، وكذلك صمود أبو ظاهر وأنهار حجة.