لا يمكن الفصل بين ما يجري في مدينة القدس المحتلة من هبة جماهيرية يقودها الشبان المقدسيون ضد هجمات قطعان المستوطنين والتضييق الذي يمارسه جيش الاحتلال بحقه، وبين الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات في المدينة ومحاولة فرض السيادة عليها.
ويمكن القول إن الهبة المقدسية تأتي في ظل حالة الاحتقان وتصاعد الهجمات التي يشنها المستوطنون والاعتداءات وسرقة المنازل، إلى جانب الإجراءات المتعمدة وسياسة شرطة الاحتلال في محاولة منع وتقييد المقدسيين من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
واندلعت مساء الجمعة، مواجهات عنيفة بين شرطة الاحتلال والمقدسيين الغاضبين في محيط البلدة القديمة وباب العامود في المسجد الاقصى ما أدى إلى إصابة 20 مقدسيًا بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وعلى مدار الأيام القليلة السابقة، حاولت سلطات الاحتلال فرض سيادتها على المدينة المقدسة من خلال إجراءاتها العنصرية الهادفة إلى منع أي نشاط سياسي وملاحقة واعتقال مرشحي القدس ومنعهم من عقد مؤتمر صحفي في تدخل سافر بالعملية الانتخابية.
تلك الإجراءات دفعت جميع الأطياف الفلسطينية إلى الإعلان عن موقفها الواضح والمتمثل في الدعوة لضرورة أن تكون الانتخابات في مدينة القدس معركة مشتركة مع الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة فرض الإرادة الفلسطينية في جميع أنحاء المدينة المقدسة وليس الاستسلام لإرادة الاحتلال.
ومنذ أيام تطالب حركة حماس ومعها باقي الفصائل الفلسطينية إلى أن تكون مدينة القدس بوابة المعركة الانتخابية الحقيقية مع الاحتلال وعدم الارتهان لموقفه وإجراءاته الرامية إلى تخريب العملية الديمقراطية ونشر صناديق الاقتراع في كافة أرجاء المدينة رغما عنه.
وعلى النقيض، لم تبد قيادة السلطة أي موقف حاسم وداعم حقيقي لهبة المقدسيين في ثورتهم على تلك المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى فرض واقع جديد يطمس الهوية والسيادة الفلسطينية في مدينة القدس.
وتكتفي السلطة وقيادتها بالتصريحات التي تطلقها بين حين وآخر بأنه "لا انتخابات بدون القدس"، ضمن شعارات لم تلق أي صدى أو دعم وخطوات من شأنها أن تعزز الهبة الجماهيرية المقدسية.
******توظيف ايجابي
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن ما يجري في مدينة القدس هو بداية مبكرة للمعركة الانتخابية وهبة للجماهير من أجل التصدي لهجمات المستوطنين وإجرامهم بحق المقدسات.
ويشدد محيسن في حديثه لـ"الرسالة" على ضرورة أن توظف تلك الهبة إيجابيا لصالح تطويع الموقف الإسرائيلي والضغط عليه لإفساح المجال للجماهير المقدسية وتمكينهم للتصويت في الانتخابات المقبلة والادلاء بأصواتهم بأريحية كاملة.
ويُبدي استغرابه من غياب الموقف الواضح لقيادة السلطة حول ما يجري في مدينة القدس، وتأخرها كثيرا، لافتا إلى ضرورة أن يكون هناك نوع من القرار الفلسطيني الجامع للتعامل مع الأحداث في القدس، وتوظيفها بشكل إيجابي وسياسي على صعيد الاقليم ودول العالم.
ويبين محيسن أنه من الضروري الاستفادة من الهبة وعدم إضاعة فرصة الضغط على الاحتلال التي ذهب اليها المقدسيون ومن ساندهم من الشارع الفلسطيني.
وأشار إلى أن هناك أجواء إيجابية فصائلية عامة لكنها تحتاج لتوظيف من قيادة السلطة السياسية لجمع الكلمة وتوحيد الموقف الفلسطيني العام.
في نهاية المطاف يمكن القول إن دعم واسناد الهبة المقدسية والدخول في معركة فرض الانتخابات في مدينة القدس هي أكبر مؤازرة للمقدسيين، وهو ما يجعل الاحتلال أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السماح للفلسطينيين بالذهاب لصناديق الاقتراع أو الذهاب لصناديق الرصاص.