منذ أيام قليلة بدأت قيادات السلطة الفلسطينية الترويج إلى تأجيل الانتخابات التشريعية، تحت ذريعة الرفض الإسرائيلي لإجرائها في مدينة القدس، ما من شأنه أن يدفع الحالة الفلسطينية إلى مزيد من التشتت والخلاف وسط دعوات باقي الفصائل إلى ضرورة انجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي الذي تأخر لأكثر من 12 عاما.
ويمكن القول إن الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس جاء بمثابة طوق نجاة لقيادة السلطة التي باتت تخشى من الخسارة المدوية في حال أنجزت العملية الديمقراطية، خاصة على وقع الخلاف والانقسام داخل حركة فتح التي من المقرر أن تخوض الانتخابات بثلاث قوائم مختلفة.
ومن الواضح أن تلك القيادة لا زالت تصر على التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني عبر استدعاء فصائل منظمة التحرير من أجل دعم قرار تأجيل الانتخابات التشريعية بحجة الرفض الإسرائيلي لإجرائها في القدس.
وكانت الفصائل الفلسطينية من داخل المنظمة وخارجها قد توافقت على مجمل الخطوات التي من شأنها أن تنجح بإنجاز الانتخابات من خلال عدة لقاءات أجريت في القاهرة ضمن حالة توافق عامة، فيما تضرب قيادة السلطة تلك التوافقات بالتفرد بقرار مصير الانتخابات، ضمن اجتماع فصائل المنظمة فقط بعيدا عن حالة الاجماع الوطني.
ورغم حالة الاجماع الوطني والدعوات إلى ضرورة عدم تأجيل الانتخابات وإنجازها كونها استحقاق وطني، وتحويلها لحالة اشتباك ومعركة مع الاحتلال في مدينة القدس، إلا أن القيادة الفلسطينية تصم آذانها عن هذه الدعوات وتصر على تحديد مصير الانتخابات بشكل منفرد.
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد أعلن أن هناك اجتماعاً للجنة برئاسة عباس لاستعراض ودراسة واتخاذ القرار المناسب، تمهيداً للاجتماع الذي ستعقده القيادة قبل نهاية الأسبوعلفصائل منظمة التحرير من أجل تحديد مصير الانتخابات.
وقال الأحمد في تصريحات لإذاعة صوت فلسطين إنه لا قيمة للانتخابات إطلاقا دون القدس وليست قفزة بالهواء كما يقول بعض الجهلة بالعمل الوطني، والذين يدعون لتحويل الانتخابات إلى اشتباك، و"لا يشاركون في أي اشتباك"، على حد زعمه.
تستر بالمنظمة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن رئيس السلطة محمود عباس بدكتاتوريته لا يؤمن بالشراكة ولا بأن يكون هناك تشاور في موضوع الانتخابات، كونه يعتبر نفسه سيد الموقف، لذلك سيذهب إلى التفرد بالقرار الفلسطيني متسترا بمنظمة التحرير.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن القرار ليس للمنظمة وإنما هو قرار عباس وحده وهو قد اتخذ قرار تأجيل الانتخابات وسيتستر بإعلانه تحت عباءة فصائل منظمة التحرير.
ويبين أن المصلحة هي التي تفرض على عباس أن يستدعي باقيالفصائل من خارج المنظمة والتي تشكل اليوم الأغلبية، وفي حال وجد أن استدعاءهم يضر بمصلحته فإنه يضرب بهم عرض الحائط ويتخذ القرار وحده.
ويؤكد الصواف أن قيادة السلطة دائما تخالف حالة الاجماع خاصة وأن اجتماع بيروت التوافقي جرى فيه تشكيل لجنة للإشراف على الحرك الشعبي الفلسطيني، لكنها لم تشكل حتى اليوم كون أنه لا يوجد هناك رغبة لدى عباس بتفعيل الجماهير.
ويلفت إلى أن حراك القدس جاء عفويا ضد الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحق المقدسيين ولم ينتظر قرارا من عباس أو منظمته.
مواجهة التفرد
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. نهاد الشيخ خليل أنه في حال تم تأجيل الانتخابات يجب تشكيل جبهة وطنية من أجل إنهاء التفرُّد وإعادة بناء النظام السياسي.
ويؤكد الشيخ خليل في مقال له أن قرار التأجيل يجب أن يجابه باتفاق القوى الرئيسة المتمثلة في حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وبالتنسيق الكامل مع القوائم الانتخابية الوازنة، خاصة قائمة البرغوثي، على سحب الشرعية من حكم محمود عباس والفريق المحيط به، واعتباره مُغتصِبًا السلطة.
ويبين أنه يجب على القوى الفلسطينية اتخاذ قرار بحصر مهمة السلطة في المجالات الإدارية والاقتصادية والخدماتية والشُرطية، ومنعها من اتخاذ قرارات تتعلق بالشأن السياسي الفلسطيني.
ويلفت إلى ضرورة تشكيل إطار قيادي وطني للعمل المشترك في تفعيل كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تشكيل وفد للتفاوض الجماعي مع حركة فتح وحلفائها، بحيث يكون هدف المفاوضات هو إنهاء هيمنة الطبقة السياسية (محمود عباس وفريقه) على النظام السياسي الفلسطيني من خلال إجراءات واضحة وصريحة ومُجدولة زمنيًّا.