ليست المرة الأولى التي توجه فيها أكبر المنظمات الحقوقية في العالم "هيومن رايتس ووتش" الاتهام لـ (إسرائيل) بالعنصرية، لكن هذه المرة كانت الصفعة قوية حين وصفتها بأنها ممارسات نظام الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين، مما لاقى ترحيبا فلسطينيا يؤكد الظلم الذي يقع عليهم.
بالأدلة أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الأمريكية تقريرا تتهم فيه (إسرائيل) بارتكاب "جريمتين ضد الإنسانية" بحق عرب 48 وفلسطينيي الأراضي المحتلة والسكان العرب في القدس الشرقية المحتلة، وذلك باتباعها سياستي "الفصل العنصري" و"الاضطهاد" ضدهم.
خلاصة التقرير اثارت تنديدا من (إسرائيل) التي ردت عليه قبل صدوره، واعتبرته وزارة الخارجية الإسرائيلية منشورا دعائيا صادرا عن منظمة تعتمد منذ وقت طويل أجندة معادية لـ (إسرائيل). في المقابل اعتبر الفلسطينيون الاتهامات المحددة أنها تستند إلى معلومات حقيقية تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من أجل وقف تلك الانتهاكات.
وكانت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان ومقرها نيويورك حددت "الخطوط العريضة" للاتهامات في تقرير من 213 صفحة استنادا إلى مصادر مختلفة بما في ذلك "وثائق التخطيط الحكومية".
ومنذ وقت طويل، لا تبدو العلاقات بين السلطات الإسرائيلية، والمنظمة الحقوقية الدولية على ما يرام، إذ كانت المحكمة العليا الإسرائيلية أيدت في نوفمبر من العام 2019 قرارا بطرد المدير التنفيذي لـ “هيومن رايتس ووتش"، في (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية عمر شاكر، بموجب قانون مثير للجدل صدر عام ،2017 يحظر دخول أنصار مقاطعة (إسرائيل) للبلاد.
وقد نفى شاكر حينها دعمه لمقاطعة (إسرائيل)، واتهم سلطاتها بقمع أي انتقاد لسياساتها تجاه الفلسطينيين.
وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية (فاتو بنسودا)، قد أصدرت بيانا أوائل مارس الماضي، أعلنت فيه فتح تحقيق رسمي في جرائم مفترضة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذكرت أن "هناك أساسا معقولا"، لأن تكون الأراضي الفلسطينية قد شهدت جرائم حرب.
في هذا السياق تقول ريهام عودة المحللة السياسية إن التقرير الذي أعدته "هيومن رايتس واتش" ليس الأول الذي تصدره مؤسسات حقوقية تنتقد فيه ممارسات (إسرائيل) تجاه الفلسطينيين، لكن يختلف بالتأكيد عن طبيعة التقارير السابقة، كونه تم من خلاله توجيه أصابع الاتهام المباشر لـ(إسرائيل) بالعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.
وترى عودة أن التقرير خطوة جريئة جدا من إدارة هيومان واتش التي تحدت الحكومة الإسرائيلية مباشرة وأحرجتها في ظل توسع خططها الاستيطانية وفي وقت حساس جدا تحاول به (إسرائيل) إيجاد مخرج لها من التحقيق الرسمي الذي فتحته المحكمة الجنائية الدولية.
وحول كيفية استفادة الفلسطينيين من التقرير دوليا، توضح المحللة السياسية لـ "الرسالة"، أن القيادة الفلسطينية منشغلة في قضية تأجيل الانتخابات.
تقول: "أعتقد أن هناك عملا متوازيا آخر تقوم به الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج يكمن باستخدام التقارير الحقوقية الدولية مثل تقرير هيومن وتش كدليل يمكن تقديمه لدعم الشكوى التي قدمها الفلسطينيون للمحكمة الجنائية الدولية ضد (إسرائيل)".
أما عن الخطوات التي يمكن أن يتخذها الفلسطينيون للتحرك بناء على هذا التقرير، تجيب عودة "الفلسطينيون سيستخدمون التقرير دليلا دوليا حول الانتهاكات الإسرائيلية تجاههم ويتم توظيفه في محكمة الجنائيات الدولية، ومشاركته مع أعضاء المجتمع الدولي كوثيقة اثبات للانتهاكات الإسرائيلية، وكأداة تدعم حملات المناصرة الفلسطينية التي تحاول أن تكشف للعالم الانتهاكات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
وتابعت: "اعتقد أن أعضاء حملة مقاطعة (إسرائيل) BDS سيستغلون التقرير بشكل كبير، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة من أجل اقناع شعوب تلك الدول بعدالة القضية الفلسطينية وتعرفهم بالانتهاكات الإسرائيلية بناء على دليل موثق صادر عن مؤسسة حقوقية دولية مرموقة.
ووفق التقرير الحقوقي، اتخذت السلطات الإسرائيلية خطوات متنوعة للحد من أعداد الفلسطينيين في الضفة الغربية، منها حرمان الفلسطينيين من حقوق الإقامة لوجودهم في الخارج عندما بدأ الاحتلال في 1967، وفرض تجميد فعلي على لم شمل العائلة خلال العقدين الماضيين، وتقييد التنقل إلى حد كبير من غزة إلى الضفة الغربية، بالإضافة إلى رفض السلطات منهجيا منحهم تصاريح بناء.
كما تطرق التقرير إلى ما يواجهه سكان غزة من حصار، بعد أن أعلنت (إسرائيل) القطاع “منطقة معادية”.
وبحسب التقرير فإن النتائج التي تبيّن الفصل العنصري والاضطهاد “لا تُغيّر الوضع القانوني للأراضي المحتلة، المكونة من الضفة الغربية، بما فيها القدس، وغزة، كما لا تغير واقع الاحتلال.
وطالبت المنظمة السلطات الإسرائيلية بإنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازًا لليهود على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي والموارد، والحصول على المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات، ومنح تصاريح البناء.
ودعا التقرير المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ومقاضاتهم.
وطالبت هيومن رايتس باستحداث منصب من خلال الأمم المتحدة لمبعوث عالمي من الأمم المتحدة لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري مع تفويض بالدعوة إلى إنهاء هاتين الجريمتين وتحديد الخطوات التي على الدول والمؤسسات القضائية اتخاذها للملاحقة بشأنهما.