ذاك الوجه القمحي بفتحة العين التي أعلنت غضبها في صورة التصقت في أذهاننا لحظة اعتقال نضال!
وجه آخر لباب العامود، كان جليًا على تلك الملامح أن الهوى والهوية مقدسية، كما بدى لنا جميعًا!
نضال عبود يُعرف عن نفسه بأنه من مواليد القدس من عام 1993، كبر بين أزقة البلدة القديمة، متعلقًا بكل ما هو مقدسي حتى كبر هذا الحب، وانتصر بعد نزفٍ عند مدرجات العامود!
باب العامود!
على عتبات باب العامود تشبع البلاط بدم نضال، وصوت الضربات المتتابعة من جنود المحتل على جسده بعد مشاركته في المواجهات التي اندلعت بعد انتهاء صلاة التراويح مطلع الأسبوع الحالي، واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى في مختلف أحياء المدينة المقدسة رفضًا لحواجز الشرطة عند الباب وعلى المدرجات، قبل أن تعلن القدس انتصارها.
الشاب المقدسي الذي ترشح لانتخابات المجلس التشريعي، كان مؤمنًا بضرورة إزالة الحواجز الإسرائيلية من محيط باب العامود، والسماح للمقدسيين بالصلاة في الباحة وعند المدرجات.
صليبه على صدره، وعزيمته بتغيير المشهد في بلدته كان الدافع الأكبر للمشاركة مع الشباب الثائر في القدس.
ظهر الشاب وقد اقتادته مجموعة من جنود المحتل، وقد تعرض لضرب مبرح بعد الاشتباكات التي اندلعت وتصاعدت حدتها في شوارع القدس بعد رفض اليهود المتطرفين إحياء المسلمين ليالي رمضان المعتادة في المسجد الأقصى، وأداء صلاة التراويح هناك.
لم تكن مشاركة نضال في أحداث القدس هي المرة الأولى، حيث اعتقل مرات عديدة لاسيما خلال نشاطاته في الأقصى كمنسق النشاطات الشبابية في التجمع الوطني المسيحي، ومرة أخرى أثناء مشاركته في مسار فني تراثي دعا له التجمع في منطقة باب الأسباط قبل ثلاث سنوات.
بكاء "ختيار"!
ذاكرة نضال سجلت في ثناياها مشهد رجل مسن كان الدافع بالنسبة له المشاركة في تغيير الواقع الذي فرض على المقدسي، ويقول: "قبل سنوات لفتني منظر ختيار ببكي وهو بحاول يفوت للأقصى (...) أخذت قرار ذاتي وقتها إني أقدم أي مساعدة أو تغيير".
يكمل حديثه واثقًا أمام كاميرات الصحافة، تمامًا كوقفته بين المصليين، ويقول: "وقفت وفتحت إنجيلي وفعلًا صليت من قلبي عند باب الأسباط".
لا يمكن للذاكرة الفلسطينية أن تنسى صورة نضال عند باب الأسباط، ومشاركته المسلمين في معركة رفض البوابات الكترونية عام 2017، يوم أن وقف بين المصلين وصليبه على صدره، قال وقتها: “أنا مسيحي من هذه البلد وجزء من القضية الفلسطينية".
لن ينسى ابن القدس خوفه ورفاقه في صغره، أثناء ذهابه وعودته من مدرسته، خوفًا من صوت الرصاص أثناء المواجهات مع المصلين وما يشهده المسجد الأقصى من اقتحامات المستوطنين بشكل استفزازي للمقدسيين.
يؤمن نضال أن هذا الخوف كان دافعًا بالنسبة له لمواصلة نشاطه في حملات اجتماعية ووطنية داخل المدينة وعند أبواب المسجد الأقصى دون الالتفاف لتهديدات الشرطة أو الاعتقال أو الضرب.
هذا الفلسطيني الذي تربى على صوت الآذان وأجراس الكنيسة، يدرك أن القدس للجميع، ويدرك أن حق الفلسطيني سيأخذه بإرادته وثباته عند باب العامود لينتصر دائمًا كما فعل المقدسي هناك!