قائد الطوفان قائد الطوفان

" اتخبي"  رسالة أنس الأخيرة التي لم تصل لشيماء

الرسالة نت- رشا فرحات

بدون زغروته أو رقصة أو دبكة، وبدون حصان مزين بالألوان، وصلت العروس شيماء أبو عوف إلى مستشفى الشفاء، بعد يومين من رقودها وعائلتها تحت أنقاض منزلهم الذي دمرته طائرات الاحتلال فوق رؤوسهم وهم نائمين. 
 

ثلاث عمائر لثلاث عائلات دمرتها الطائرات على المدنيين الآمنين، اختلطت حجارتها وتناثر غبارها فلم يعد أحد يفرق بين حجر وحجر. 

خرجت الشهيدة، ترسم ابتسامة مقصودة، نعرفها نحن ولا يعرفها العالم، تماما كما يفعل كل شهداء غزة حينما يرحلون، يقهرون المحتل بابتسامة . 
 
كانت شيماء عروس عائلة أبو عوف، ستزف إلى الشاب أنس اليازجي، بعد العيد، في يوم ربيعي، وكانت ستضع حناءها على الكف، وترقص حتى الفجر مع صويحباتها، وكانت تحديدا في تلك اللحظة التي حسمت فيها طائرات المحتل أمرها، تكتب لخطيبها شيئا لا نعرفه، سرا بينهما لم يكتمل، ضحكة أخيرة لم يسمعها. 
 
أنس اليازجي كتب الرسالة الأخيرة :" شيماء تخبي" رسالته التي أرسلها لها في نفس اللحظة التي سمع فيها صوت صواريخ الاحتلال، بعدما أخبرته أنها خائفة، لم تصل، كان ينظر كل دقيقة إلى جواله، ليرى إذا ما كانت رأت رسالته، لكنها لم تراها. 
 
ردمت شيماء أبو عوف، طالبة الطب ، مع كتبها وفستان العرس، وقائمة طويلة من الأغنيات، كانت ستغنيها مع أنس في ليلة زفاف مترقبة، وأحلام كثيرة، وحب أكثر، كل الأشياء التي لا نعرفها دفنت تحت ركام بناية من خمسة طوابق، وظلت شيماء في الأسفل، وظل أنس يترقب ردا على رسالتها. 
 
يجلس على الرصيف المقابل، يتأمل أكوام الركام التي تغطي جسد شيماء الضعيف، يضع يده على خده، ويتأمل الموت مبهوتا، يحاول أن يستنهض الأمل المستحيل في داخله، لعلها تخرج حية فجأة، وتبتسم في وجهه كما تفعل في كل مرة . 
ويقول ضاحكا ستخرج الآن وسأسألها عن الذي حدث، وستخبرني كل القصة ، ثم ينقطع الأمل بخروجها شهيده. 
كان يقينا في قلب عريس رسمته ضحكة غريبة في استقبال موت عروسه، وهو يرى طريقه الذي قطع نصفه معها يسد فجأة بكومة من الحجارة لأن الاحتلال أراد له أن يقطع . 
 
دفنت شيماء طالبة طب الأسنان المتفوقة، الجميلة،  الحافظة لكتاب الله، مع اثني عشر فردا من عائلتها، بعد قصف طائرات الاحتلال لمنزلهم في شارع الوحدة، ومن أسفل الركام كان على رجال الإنقاذ أن يأخذوا يومين حتى يخرجوا كل الضحايا. 
 
شيماء مبتسمة، ممددة أمام أنس، وهي تضحك، ضحكتها التي اعتاد عليها ، فيبتسم هو بدوره للشهيدة الحية، ويردد ضاحكا:" ستشفع لي عند الله، أوليس الشهيد يشفع لسبعين من أهله، أنا أولهم"  
يضحك أنس، كلما سأله أحدهم، بين صدمة المكلوم ونعمة الصبر ، يستشعر الاستغراب في عيون من يكلمونه، ويرد:" أنت بتفكرني بهلوس، أنا صابر، أنا شاكر، والله لما شفت ضحكتها ارتحت، سبقتني للجنة. 
 
وفي الجنة حيث ترقد شيماء الآن، عروسا بهية، بفستانها، وابتسامتها، وكتب طب الأسنان التي لم تكمل دراستها، سيقام عرس مختلف، عرس يليق بشهيدة من غزة .

البث المباشر