لم تنتظر السلطة الفلسطينية انتهاء العدوان على قطاع غزة، كي تبدأ مساعيها للسيطرة على أموال الاعمار، وفي الوقت الذي كانت غزة تحت القصف وتجري مباحثات لوقف إطلاق النار، كان كل تركيز قيادة السلطة يتجه نحو أموال الاعمار وتحويلها بالكامل لميزانيتها.
وصرح وزير المالية برام الله شكري بشارة والذي قليلاً ما يتحدث مع الاعلام قائلًا: "شكّلنا لجنة اقتصادية متخصصة من وزارة المالية، لاستلام أي أموال سيتم التبرع بها لغزة، وبقرار من رئيس الوزراء محمد اشتية سيتوجه وفد للقاهرة قريبًا، للاتفاق مع الجانب المصري حول آلية مشاركة السلطة في إعمار غزة".
وخلال الأيام الماضية زار وفد من السلطة برئاسة محمد اشتيه ثلاثة دول خليجية لضمان تحويل أموال الاعمار والمنح لها.
وتعود المخاوف من جديد بعد المحاولات من السلطة الفلسطينية للعودة إلى المشهد، حيث علت أصوات من أروقة السلطة للحديث عن أموال المانحين لإعادة إعمار قطاع غزة، مطالبة بالحصول على هذه الأموال، وتنفيذ عملية الإعمار من خلالها.
وهناك حالة قلق لدى أوساط في غزة من تحكم السلطة بأموال الاعمار، بالنظر إلى تجربة الجهات الحكومية في غزة مع السلطة في عدوان 2008/2012/2014 والذي كانت السلطة أحد أسباب تعطيل الاعمار وليس تسهيله، ويمكن القول إن أهم مخاطر سيطرة السلطة على أموال الاعمار ما يلي:
أولاً: شكل دور السلطة خلال الحروب التي جرت في غزة خلال العقد الماضي عامل معطل لعملية الاعمار، عبر الشروط وسياسة المماطلة التي تضعها، كما ثبت فشلها في عملية إعادة الإعمار".
وما زال 1700 وحدة سكنية دمرت خلال عدوان 2014 تنتظر الإعمار إلى جانب برجي الباشا والإيطالي نتيجة الشروط التي تضعها السلطة، رغم مرور سبعة أعوام.
ثانياً: فساد السلطة وعدم ثقة المانحين بها، فقد تسببت تقارير الفساد التي تصدر سنوياً وتتحدث عن اهدار كبير للمال العام عبر النهب والفساد الذي ينهش كل مؤسسات السلطة بفقد ثقة المانحين بها، لذا تتجه العديد من الدول المانحة إلى العمل عبر مؤسسات تتبع لها في الأراضي الفلسطينية أو عبر المؤسسات الدولية.
ثالثاً: تحويل جزء كبير من أموال الاعمار لميزانية السلطة وحرمان غزة منها، وقد انتهجت السلطة هذا الأسلوب عقب كل عدوان يتعرض له القطاع، حيث استقطعت السلطة 48% من أموال إعادة الاعمار عقب عدوان 2008 والذي تعهدت به الدول المانحة بمبلغ 2.8 مليار دولار لميزانيتها.
وفي عام 2014 خصص مؤتمر المانحين في شرم الشيخ مبلغ 5.4 مليار دولار لإعادة اعمار غزة حصلت السلطة على أكثر من نصفه لدعم ميزانيتها متجاهلة الازمة الإنسانية الكبيرة في غزة.
رابعاً: فرض شروط وأليات بالتعاون مع الاحتلال على ادخال المواد الخام الخاصة بإعادة الاعمار على قطاع غزة، وذلك عبر تمريرها برنامج GRM أو السيستم، والذي قيد وعطل مسألة الاعمار وأخضع التجار وشركات المقاولات والمواطنين المتضررين لابتزاز الاحتلال.
خامساً: السلطة تحاول الالتفاف على الواقع لتكريس حالة من الانفصال عبر جعلها عنوانًا وحيدًا للإعمار، حيث خلقت فجوة بين السلطة وقطاع غزة عبر العقوبات التي اتخذها عباس عام 2017، إضافة إلى عدم إعطاء غزة حقها من المقاصة والموازنات.