لا يبدو أنّ العلاقات بين السلطة الفلسطينيّة ومصر تمرّ بأحسن أحوالها، في ضوء خلافات سياسيّة بينهما باتت أكثر وضوحاً عقب العدوان الأخير على قطاع غزة والاختلاف الكبير في التوجهات فيما يتعلق بالتعامل مع قطاع غزة.
مصادر مصرية كشفت لـ"العربي الجديد"، عن حالة استياء مصري من السلطة الفلسطينية، بسبب ما سمّته الالتفاف على الجهود المصرية الرامية لتهدئة الأوضاع والسيطرة على المشهد الفلسطيني.
وقالت المصادر إن اتصالات مباشرة جرت أخيراً بين السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، ومسؤولين إسرائيليين بارزين، بهدف إبداء تشدد في ملف إعادة إعمار قطاع غزة، وفي قضية إزالة العقبات الإسرائيلية بشأن القرارات الخاصة بإدخال مواد الإعاشة للقطاع، وإعادة فتح المعابر وتشغيل محطة الكهرباء بشكل طبيعي، وإعادة فتح كامل مساحات الصيد في بحر غزة، بشكل يعقد الجهود المصرية.
وتكمن أسباب الخلاف والفتور في التالي:
أولاً: تظهر السلطة غضب كبير من الجانب المصري على طريقة إدارتها لملفّ الإعمار، وإدارة الظهر لرام الله، واستقبال وفد حكومي من غزة، وهو ما ترى فيه السلطة تجاهل لها، وتقوية لموقف حركة "حماس" والفصائل الرافض لتدخُّل السلطة في العملية، وتحاول استدراك الأمر عبر الوفد الوزاري برئاسة زياد أبو عمرو الذي يهدف إلى فرض رؤية وإدارة السلطة لملف الاعمار.
ثانياً: من ناحية مصر تزداد حدة الغضب والتوتر بينها وبين السلطة منذ سنوات نتيجة عدم تعاون السلطة في عدة ملفات أهمها المصالحة مع دحلان وملف انهاء الانقسام مع حماس.
ثالثا: تشكل العلاقة بين مصر وحماس في غزة أحد أبرز أسباب الخلاف حالياً، عقب معركة "سيف القدس" التي انتصرت فيها المقاومة بشكل لا لبس فيه وفرضت معادلات جديدة على الساحة الفلسطينية وهو ما لا تستطيع مصر تجاهله، لذا شهدنا لغة مختلفة من الدولة المصرية توجت بزيارة وزير مخابراتها عباس كامل.
رابعاً: تسعى مصر لإيجاد دور مناسب للسلطة في ملفات الاعمار ووقف تثبيت إطلاق النار والمصالحة، وبما يتناسب مع المعطيات الجديدة، بينما تصر السلطة على نهج الاستفراد والاقصاء وتريد الاستئثار بتلك الملفات وحدها دون أي دور للفصائل بغزة، بحجة الشرعية الدولية التي تملكها وأنها الحكومة المعترف بها وتصر أن تمر كل الملفات عبرها خاصة إعادة الاعمار الذي تضع عينها على أمواله منذ اللحظة الأولى للعدوان.
خامساً: تتمسك السلطة الفلسطينية بربط عودة الوضع لما كان عليه قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو الماضي، بإشراف مباشر منها، وكذلك اقترحت مرور المنحة القطرية الشهرية عبر مسارات تشرف عليها السلطة أيضاً، كضمانة لعدم استغلالها لصالح أعمال المقاومة، وهو ما رأت القاهرة فيه عرقلة لجهودها، ومساعي لتقويض دورها في المشهد الفلسطيني خلال الفترة المقبلة.
سادساً: من ناحية أخرى فإن وعود "حماس" بتضمين اسم مروان البرغوثي ضمن قائمة صفقة الأسرى، التي تجري التفاوض عليها مع الجانب الإسرائيلي، يمثّل أزمة داخلية كبيرة للسلطة الفلسطينية، في ظل حجم الشعبية الكبيرة للبرغوثي، والتي يرى فيها عباس وقيادات الصف الأول بها تهديداً مباشراً لهم.
وما يغضب السلطة أن مصر تلعب دور الوساطة وتحاول دفع الصفقة للأمام، كما أنها تسهل لقاءات حماس بمنافسي عباس من داخل فتح سواء مسؤولين في قيادة تيار دحلان أو اللقاء الذي جمع قيادة حماس مع زوجة البرغوثي.
وكان رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" اسماعيل هنية قد التقى في مقر إقامته في القاهرة مساء الخميس، فدوى البرغوثي زوجة مروان البرغوثي، في استقبال رسمي، وأكد لها "الالتزام الوطني العام والالتزام الخاص من حماس وجهازها العسكري بأن موضوع تحرير الأسرى وقادة النضال الوطني على رأس أولويات الحركة وفي صلب المواجهة مع العدو كي يصل شعبنا ومقاومته إلى صفقة تطلق أسرانا من سجون الاحتلال".
ويمكن القول إن الخلاف بين مصر والسلطة ليس جديدا وقد بدأ بشكل لافت منذ العام 2015 بعدما رفض عباس كل المحاولات المصرية للمصالحة مع دحلان.
واتخذ الفتور أشكال مختلفة لكنه وصل ذروته في العام 2019 حينما طلبت السلطة الفلسطينيّة من مصر في أواخر يوليو 2019 لعقد قمّة عربيّة في القاهرة، لمناقشة ملفّ الاستيطان الإسرائيليّ، وتحديد موعد التوجّه إلى تقديم الملفّ إلى مجلس الأمن الدوليّ، لكنّ القاهرة، على الرغم من إجراء العديد من الاتّصالات الدبلوماسيّة مع رام الله، رفضت الطلب الفلسطينيّ من دون توضيح الأسباب. في المقابل لم يتم عقد القمة التي طلبتها السلطة الفلسطينية، مما جعل العلاقة بين السلطة ومصر تتّجه للأسوأ، من خلال رفض عباس مبادرة السلام المصريّة، بينما تسعى مصر لتمهيد الطريق أمام دحلان ليخلف عبّاس.