كل شيء متوقع من الاحتلال، فأحلامك وطموحاتك تتدمر في أية لحظة، هذا ما اعتاد عليهم الغزيون في السنوات الأخيرة رغم تشبث صغارهم قبل كبارهم بالحياة، حتى وقت القصف والدمار يحلمون بغد أجمل.
ومع كل جولة عسكرية يقودها الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة، يترك حكاية موجعة من موت وجرح تروى لأجيال لتسرد ظلم وجبروت كيان محتل.
ولأن الأطفال كانوا هدفا للطائرات الحربية في معركة "سيف القدس" حيث قتل العشرات منهم، وأصاب أكثر، تماما كحال الصغيرة فرح اسليم – 11 عاما – والتي بترت قدمها بعد اصابتها.
في البداية سكنت الطفلة "فرح" في الطابق العلوي برفقة عائلتها في حي الصبرة، وحين كان يتقدم أحد أشقائها لفتح باب السطح كانت تصرخ باكية وتغلق الباب خشية أن يباغتهم صاروخ حربي يفقدهم حياتهم حسب تفكيرها الطفولي الذي بنته من الاخبار.
وقبل اليوم الأخير من اعلان التهدئة عقب انتهاء الجولة العسكرية ضد قطاع غزة، افترشت الصغيرة الأرض لتنام بجانب اشقاءها وهي تحتضن عروستها التي بقيت تخطط كيف ستحيك لها فستانا جديدا في الصباح، تتباهي به أمام صديقاتها خاصة وأن العيد ألغته الصواريخ والانفجارات.
ورغم محاولات "فرح" حماية نفسها وعائلتها من صواريخ الاحتلال طيلة فترة العدوان الأخير على قطاع غزة، إلا أن صاروخ باغت شقتهم قبل اليوم الأخير من التهدئة لتصاب هي وثلاثة من اشقاءها (سعد وشهد وأميرة) لكن الشظايا الأخطر كانت من نصيبها.
عند إصابة الصغار كان والدهم على رأس عمله وهو رجل أمن يعمل في مستشفى الشفاء، يصف "للرسالة" مشاعره قائلا: تمام الساعة السادسة صباحا حين دخلت سيارة الإسعاف فتحت لها الطريق، وما أن وقفت على باب الطوارئ وفتح الباب لم استوعب، فالوجوه الملطخة بالدماء أعرفها جيدا.
حاول الأب كما يحكي أن يدقق النظر جيدا حتى وجد صغاره، تمالك نفسه وراح ينقلهم إلى الطوارئ ثلاثة منهم كان وضعهم مستقر رغم أن صغيره (سعد) سط الجدار عليه، بينما فرح كان وضعها صعبا فإصابة رجلها كانت حرجة.
منذ اللحظة الأولى قال الأطباء أن حالة فرح صعبة وتستدعي بتر قدمها، لكن بعد محاولات حاولوا وضع البلاتين فزاد الأمر سوءا مما استدعى عائلتها بمناشدة الأردن لتلقيها العلاج هناك وكان لها ذلك بعد أسابيع من الانتظار.
خيارات الأطباء في الأردن كانت ما بين بتر القدم أو أخذ عظام من الظهر لترقيعها، ومن ثم ستبقى البنت تخضع لعمليات حتى سن 18 ومع ذلك ستعاني من العرج، لكن الخيار الأضمن وفق الأطباء كان ببتر القدم.
يقول بإن صغيرته ووالدتها غادرو قبل أيام غزة، وبقي وحيدا يرعى صغاره في ظل وضع نفسي سيئ يعانون منه فأي طرقة باب يفزعون ويبكون ويحاولون الهروب اليه لحمايتهم، بينما ابنته "فرح" الذي دهش من حديثها أمام الاعلام وهي تناشد، وتساءل "متى كبرت هذه الصغيرة، وباتت تصفط الكلمات كما الكبار".
ورغم بكاء "فرح" من الألم إلا أنها بقيت طيلة الوقت تهدأ روع ذويها، وما حفزها وخفف عن نفسيتها هو ما فعلته صديقاتها في مدرسة مصطفى حافظ بمساعدة المديرة والمدرسات، حين تواصلوا معها عبر مكالمة فيديو وأسمعوها الكلمات التحفيزية مع التصفيق ومنحها شهادة تقدير.
حكاية الصغيرة فرح ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالاحتلال الإسرائيلي بأسلحته المحرمة دوليا تفنن بالمعركة الأخيرة في قتل الصغار واصابتهم بإصابات بالغة أفقدتهم أطرافهم أو سببت لهم الأذى النفسي، فوفق إحصائية وزارة الصحة الأخيرة فإن عدد الأطفال الشهداء وصل حوالي 66.