لا تفتأ السلطة الفلسطينية تقدم الدليل تلو الآخر على عدم أهليتها لقيادة الشعب الفلسطيني، مثبتة بالبرهان الساطع فشلها الذريع في مختلف المجالات عدا التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي الذي تبهرنا دوما بمهارتها في ملاحقة رجال المقاومة وتسليمهم لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وجاءت فضيحة لقاح كورونا لتفضح مدى الاستهتار بحياة المواطن الفلسطيني من قبل من يفترض أنه مؤتمن عليها، ولتبرز مدى تغلغل الفساد في شتى جوانب إدارة الشأن العام.
إن سجل قيادات السلطة حافل بقضايا الفساد دون أي إجراءات حقيقية وجادة لمحاسبة المتورطين بها، لا لشيء سوى أنها غارقة في وحل الفساد حتى أخمص أذنيها، لاسيما في ظل تعطيلها المتعمد لدور المجلس التشريعي الرقابي، فضلاً عن إغلاقها الباب أمام تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية بتعطيل الانتخابات التي كانت مقررة خلال شهر مايو الماضي، لتواصل فسادها دون حسيب أو رقيب، مكتفية بترديد شعارات رنانة لتمديد شرعية وجودها ولتحجب ملفات فسادها المتوالية.
بكل الأحوال لا ينبغي أن تمر قضية فساد لقاح كورونا دون محاسبة حقيقية للمتورطين بها، ولا أقل من إقالة رئيس الحكومة ووزيرة الصحة ومن له علاقة مباشرة وغير مباشرة بهذه الصفقة المشبوهة، باعتبارها جريمة شروع في قتل المواطنين، بل إنها جريمة وطنية بامتياز بالنظر لكونها تمنح فرص البقاء للغاصبين وإطالة أمد اغتصابهم للأراضي الفلسطينية مقابل إضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية وإنهاك عمقها البشري المتجذر في التراب الوطني المجبول بدماء الشهداء.
لا شك أن الفصائل الفلسطينية مطالبة بأخذ زمام المبادرة، والتقدم خطوات على صعيد حماية أرواح المواطنين، والوقوف سداً منيعاً أمام حالة الفساد المتجذرة في أوصال السلطة الفلسطينية، باعتبار ذلك أولوية وطنية لتعزيز صمود المواطنين وقدرتهم على مواجهة المشروع الصهيوني، ولا سبيل لذلك سوى بوقف طعنات الفساد في ظهر الشعب الفلسطيني المكلوم، وانتشاله من براثن الظلم والفساد التي تعد تربة خصبة لتجذير وترسيخ وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.
كما أن القوائم الانتخابية أمام اختبار حقيقي للدفاع عن حقوق ومصالح المواطنين، وعليها أن تشكل حالة ضغط على السلطة الفلسطينية، وألا تسمح بمرور فضيحة فساد لقاح كورونا دون اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أرواح المواطنين والحيلولة دون تكرارها بصور وأشكال أخرى، وتدفيع المتورطين بها الثمن ليكونوا عبرة لمن يعتبر ولمن تسول له نفسه العبث بمصير وأرواح المواطنين، ويجدر ألا تغيب هذه القضية عن أجندة وسائل الإعلام الفلسطينية باعتبارها سلطة رابعة، وباعتبار ذلك مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية تجاه المجتمع الفلسطيني.
إن الشعب الفلسطيني الذي يسطر البطولات تلو البطولات في مواجهة أعتى احتلال عنصري عرفه التاريخ الحديث يستحق قيادة أمينة ومؤتمنة لقيادته نحو بر الأمان على مختلف الصعد الوطنية والمعيشية والاجتماعية، لا قيادة تستنزفه وتطعنه في الظهر عبر فسادها، بل قيادة تفديه بأرواحها عبر تحديها للاحتلال وإذلاله في محطات المواجهة المتعددة، قيادة تقوده نحو النصر المبين وتشاركه فاتورة التحرير والاستقلال الوطني.