بُعيد لحظات قليلة من اعدام الأجهزة الأمنية للناشط السياسي نزار بنات، حاولت أجهزة أمن السلطة الخروج برواية تدعي فيها وفاة الرجل بنوبة قلبية، رواية لم تجد من يتساوق معها بل رفضت المؤسسات الحقوقية من الأساس الاشتراك في أي لجنة رسمية للسلطة تقود لتزوير وتغييب الحقائق.
لا تقتصر محاولات السلطة على دفن ضحايا التعذيب في سجونها، بل تعمل على أن يعقبها دفن تقرير الطب الشرعي الخاص بالمتوفى، لغسل يد أجهزة أمنها ودفن آثار الجريمة، هكذا تنتهي القضية وبكل بساطة كما جرى مع عدد من ضحايا التعذيب في سجونها.
تغيير أسماء أو اللجوء لدفن القضية تماما عبر إخفاء تقرير الطب الشرعي، هو السلوك الدارج لأمن السلطة، تبعا لروايات تقصت تفاصيلها "الرسالة" لضحايا قتلوا بالتعذيب داخل سجون السلطة.
جرائم مرتكبة
القائد في كتائب شهداء الأقصى في نابلس أحمد الزعبور، كان أحد ضحايا تزوير التقارير الشرعية حيث أبلغت السلطة عائلته بوفاته مدعية أن سبب الوفاة الإصابة بجلطة!
وتقول شقيقة الزعبور أم مجاهد لـ"الرسالة نت": "خبرتنا السلطة أن أحمد توفي نتيجة الجلطة، ولهذه اللحظة لم نتسلم ملف تقريره الطبي رغم وفاته منذ عام تقريبا، "والجميع يقول لنا أن الملف سري".
عائلة الزعبور: مر عام على وفاته والسلطة ترفض تسليمنا التقرير
وأضافت: "أي شخص يقتل تحت التعذيب أو يريدون تصفيته كما جرى مع أخي، من السهل عليهم أن يفعلوا به ما شاءوا ثم يدعون أنه توفي نتيجة جلطة!"
وعقبت بالقول متهكمة: "بس الجلطات لمن يدخل سجون السلطة!"، مؤكدة أن السلطة ترفض التعامل مع أي مطالبات بشأن الإفصاح عن الأسباب الحقيقية لوفاة أحمد.
ويشار إلى أن الزعبور توفي في شهر أغسطس من العام الماضي، داخل سجون السلطة.
تقرير مزور!
عائلة المغدور محمود الحملاوي، وجه آخر لضحايا التزوير التي قام بها أمن السلطة، فالعائلة التي قتل جهاز الأمن الوقائي نجلها بعد 4 أيام متواصلة من التعذيب في سجن بيتونيا، لم يصلها تقرير حقيقي، وفق عماد شقيق المغدور.
يقول الحملاوي لـ"الرسالة نت" إنّ أمن السلطة عزا في تقريره الصادر عنه عملية الوفاة لجلطة قلبية دون ذكر للتعذيب الشديد الذي تعرض له على يد الأمن الوقائي.
عائلة الحملاوي: الأجهزة الأمنية سلمتنا تقريرا مزورا
الوقائي كان قد اختطف الحملاوي بعد تعريته بشكل كامل، واستمرار اختطافه في فصل الشتاء لأربعة أيام وتسليمه لشرطة بيتونيا وهو عار تماما.
يقول عماد إن السلطة أعادت فعل الجريمة ذاتها مع نزار بنات الناشط السياسي.
إعدام بالخطأ!
وأثناء التقصي حول الشخصيات التي توفيت داخل السجون، كان القيادي في كتائب الأقصى أبو العز حلاوة الذي تقول عائلته إنه أعدم بدم بارد عمدًا وعن سبق الإصرار والترصد، في سجن الجنيد بنابلس.
وتضيف عائلته أنه قتل بعد ساعات قليلة من اعتقاله، رغم أنه كان على اتصال مع جهات بالسلطة لتسليم نفسه، كما أعدم اثنان من مرافقيه ميدانيا بمجرد وصول الأجهزة الأمنية للمكان.
عائلة حلاوة: السلطة قتلت ولدنا ثم أعلنت ببساطة: "بالخطأ"
تقول زوجته أم العز، إن السلطة بررت حادثة قتل زوجها بأنها "خطأ"، مشيرة إلى أن العائلة اضطرت للمصالحة بغية الوصول لإطلاق سراح عدد من الشباب المتهمين بجرائم القتل.
تزوير الاسم!
لم تكن عائلة حلاوة وحدها التي اكتوت بنيران تعذيب أبنائها وفقدانهم في سجون السلطة، بل إن تلك السياسة قديمة تنتهجها السلطة منذ سنوات، ففي العام 2008، استيقظت رام الله على جريمة بشعة تمثلت في قتل أحد أئمتها نتيجة التعذيب الشديد في سجون السلطة، وهو الشهيد "مجد البرغوثي" الذي خرج وعلامات التعذيب تشوه ملامح جسده.
تعود ابنته إيمان لسنوات خلت، تستحضر اللحظات التي برر فيها أمن السلطة جريمة قتل والدها، حيث ادعت السلطة أن سبب الوفاة ناتج عن كونه "مدخنا شرها"، بيد أن آثار التعذيب على جسده فضحت روايتهم، كما أنهم تغافلوا أنه إمام مسجد، تبعا لحديث ابنته.
ابنة البرغوثي: الأمن زور التقرير الطبي لحالة قتل والدي
عن تلك اللحظات، تقول إيمان لـ"الرسالة نت": "عذبوه بوحشية شديدة، ثم كان لديهم من الوقاحة ليبرروا جريمتهم بأنه توفي نتيجة التدخين!"
وأشارت إلى أنهم تلاعبوا في تقرير الطب الشرعي، فجرى تدوين التقرير على اسم "ايمن"، وادعى أن سبب الوفاة" اعتلال في عضلة القلب بسبب التدخين".
وتضيف: "قتلوه وشرحوا جثته وخرجوا بتقريرهم وروايتهم، ثم بعد ذلك سلمونا جثته، وساومونا على عملية دفنه".
وتلفت إيمان إلى أن بعض المؤسسات الحقوقية ذهبت لتبرر للسلطة جرمها بأن ما حدث مع مجد هو رد على أحداث 2007، في خطوة تبريرية لا تتسم مع الأخلاقيات الإنسانية المفترضة لهذه المراكز.
مزاجية وانعدام ثقة
مبادرة مناهضة التعذيب في سجون السلطة أكدت أن ما سلف من شواهد في تزوير التقارير الطبية، هي نماذج بسيطة لما يجري هناك، إذ إن السلطة أساسا لم تعد محل ثقة لدى من يتوفى أبناؤهم في سجونها، فيضطرون لإعادة التشريح في مستشفيات ومراكز أخرى.
وتبعا لسهى جبارة مسؤولة المبادرة، فإنّ الأجهزة الأمنية تتعامل مع التقارير تبعا لمزاجها، وتضع ما تريده دون حسيب أو رقيب.
وتشير جبارة إلى أن بعض العائلات تخاف المطالبة بتشريح جثامين أبنائها خارج مراكز السلطة".
وعرضت جبارة مثلا رفعها قضية دولية على السلطة الفلسطينية نتيجة تعرضها للتعذيب في سجونها خلال فترة اعتقالها قبل أشهر، وهي لا تزال في طور المحاكمة، مشيرة إلى أن التحرك في سياق الضغط الشعبي والقانوني يمكن أن يضع حدا لهذه الاحداث.
رهان على الوقت!
نائب رئيس لجنة الحريات في الضفة خليل عساف، أكد بدوره عدم قانونية التحفظ على تسليم التقارير الشرعية لأصحاب العلاقة من عوائل الضحايا، مرجعا عدم التسليم لـ"ما تتضمنه بعض التقارير من معلومات قد تشكل حرجا لهذه الأجهزة".
وقال عساف في تصريح خاص بـ"الرسالة نت" إن "عملية التشريح أصبحت تضم ممثلين عن النيابة والعائلة والهيئة المستقلة"، مع الإشارة إلى أن العوائل التي أجرت "الرسالة" معها لقاءات، أكدت عدم حضورها التشريح، إلّا أن عساف يشير إلى صعوبة تزوير التقارير من طرف الأطباء لأن ذلك قد يطيح بمستقبلهم المهني لو جرى إثبات عكسها، وعليه فقد تضطر الأجهزة لعدم تسليمها، للرهان على كسب الوقت وامتصاص رد الفعل من طرف عائلة الضحية.
وأشار عساف إلى وجود جرائم قتل لم تكن بحاجة لتقرير منها مثلا حادثتا البرغوثي وحلاوة، "فالصورة وحدها كافية لتكشف عن جريمة القتل التي جرت تحت التعذيب".
لجنة الحريات: الأجهزة الأمنية تماطل في تسليم التقارير لكسب الوقت
وأوضح عساف أنه إذا لم تكن هناك نتيجة مباشرة للوفاة، فإنه يكون شبه جريمة؛ لكن في قضية حلاوة "فقد قتل بطريقة وحشية تحت التعذيب!، لا سيما وأنه كان في زنازين الامن".
وبمقتضى قانون رقم (7) لسنة 2011م بشأن الطب الشرعي، فإن الفقرة الثانية من المادة التاسعة تلزم الطبيب بتشريح الجثث والأشلاء لبيان سبب الوفاة وتاريخها والتعرف عليها وأخذ العينات اللازمة، وتلزم المادة (11) المختبر بـتقديم تقرير بكل مهمة يقوم بها.
وتعطي الفقرة الثانية من المادة (12) من القانون حق الاعتراض لذوي العلاقة على التقرير الطبي الشرعي أو التقرير المخبري الشرعي أو كليهما أمام المحكمة المختصة وحسب الإجراءات القانونية، كما تحمَل الفقرة (4) من المادة (13) النيابة العامة المسؤولية عن تأخير أو تأجيل الدفن لمصلحة العدالة.
وتجرم المواد (المادة 13 و 16 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003)، عملية التعذيب، وتعدّها انتهاكًا يحاسب عليه مرتكبها.
كما تنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على منع التعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة. كما حظرت المادة 7 من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية التعذيب واعتبرته جريمة ضد الإنسانية.
انتهاك خطير
وتبعا لتقريري الهيئة المستقلة لحقوق الانسان فقد قتل 5 أشخاص نتيجة استعمال السلاح من المكلفين بإنفاذ القانون خلال العامين الأخيرين في الضفة.
الهيئة المستقلة: حظر تسليم التقارير الطبية انتهاك خطير للقانون
مسؤول مكتب الهيئة المستقلة جنوب الضفة فريد الأطرش، اكتفى بتأكيده لـ"الرسالة نت"، أنّ عملية التشريح يجب أن تتم تبعا للأصول، مع حق ذوي الضحية بالاعتراض، مشيرا إلى أن حظر أو منع تسليم التقرير الطبي لعائلة الضحية يشكل انتهاكًا خطيرا للقانون.
جدير بالذكر أنّ فلسطين انضمت في الأول من أبريل لعام 2014 لـ(15) منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية من ضمنها اتفاقية مناهضة التعذيب!