يعد تعذيب المعتقلين السياسيين نهجا لدى ضباط وعناصر الأمن المنتسبين للسلطة الفلسطينية، في حين لا يبذل أي من القيادات وعلى رأسهم وزير الداخلية أي جهد لوقف تلك السياسة او محاسبة مرتكبيها.
ورغم انضمام السلطة لبروتوكول مناهضة التعذيب الدولي ألا أنها تتجاهل بنوده وتغمض عينيها عن الانتقادات الحقوقية والدولية في هذا المجال.
ونشرت مؤسستا "هيومن رايتس ووتش" و"محامون من أجل العدالة" مذكرة مشتركة عن بواعث القلق الرئيسية لديهما فيما يتعلق بالتعذيب والإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الحكومية في فلسطين.
** السلطة تتقاعس
ووفقا لما جاء في التقرير فإن السلطة اعتادت التقاعس عن محاسبة قوات الأمن على استخدام القوة المفرطة، أو سوء المعاملة أو التعذيب ضد المعتقلين، بينما توفر السلطات درجة معينة من الرقابة، بما فيها الرقابة الخارجية، على أماكن الاحتجاز ولديها أنظمة للتحقيق في المخالفات، إلا أن الانتهاكات الروتينية مستمرة.
وفي الوقت الذي تتلقى السلطات بانتظام شكاوى المواطنين، لكن قلة منها فقط تخلص إلى إثبات مخالفات، ويؤدي عدد أقل إلى عقوبات إدارية أو إحالة إلى محاكمة جنائية.
بين يناير/كانون الثاني 2018 ومارس/آذار 2019، على سبيل المثال، قالت السلطة إنها تلقت 346 شكوى بشأن الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة، وفتحت تحقيقات في كل حالة. إلا أنها وجدت مخالفات في 48 حالة، أي 14% فقط، نتج عن 28 منها تحذيرات أو عقوبات إدارية مثل خصم من الرواتب أو تأخير الترقيات.
وأشارت رسالة السلطة إلى هيومن رايتس ووتش في 2019 إلى أن معظم شكاوى التعذيب المقدمة إلى جهاز الأمن الوقائي هدفت إلى "تشويه صورة فلسطين أمام المجتمع المدني الدولي".
وخلال الفترة نفسها، أحيلت 20 حالة انتهاكات على يد السلطة إلى الملاحقة القانونية/ حتى مايو/أيار 2019، ما زال العديد منها مفتوحا، لكن أدين عنصر واحد فقط، وهو عنصر من مخابرات السلطة الفلسطينية حُكم عليه بالسجن عشرة أيام لاعتدائه على المتظاهرين.
وذكر المركزان انهما لم يتمكنا من التحقق بشكل مستقل من البيانات المذكورة أعلاه.
رغم تقارير منظمات المجتمع المدني المنتشرة حول هذه القضايا في السنوات الأخيرة، لم تجرِ السلطة الفلسطينية تغييرا واضحا في السياسات أو الممارسة، حتى في قضية بنات، هناك أسئلة حقيقية حول ما إذا كانت ستحصل مساءلة حقيقية للجناة.
وقدمت اللجنة الرسمية التي شكلها رئيس حكومة رام الله محمد اشتية للتحقيق في جريمة القتل تقريرها بعد خمسة أيام من تشكيلها، لكن التقرير ونتائجه لم تُنشر مطلقا، وفي 5 سبتمبر/أيلول 2021، اتهمت النيابة العسكرية 14 عنصرا من الأمن الوقائي متورطين في عملية بنات بالمشاركة في ضرب أدى إلى الوفاة.
أثارت عائلة بنات ومحاميهم أسئلة حول المحاكمة الجارية، بما فيها الأساس الذي منحت المحكمة عليه امتيازات للمتهمين، كالسماح لهم بالخروج من السجن لزيارة الأسرة، دون أمر محكمة. في 18 مايو/أيار 2022 أعلنوا مقاطعة الإجراءات.
***غياب الرقابة
بعد خمس سنوات من الانضمام إلى "البروتوكول الاختياري"، أصدر عباس قرارا في مايو/أيار 2022 بإنشاء "الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب". قالت 26 منظمة مجتمع مدني إنه رغم الحوار المكثف مع المجتمع المدني الفلسطيني لعدة سنوات، والذي سلط الضوء على أهمية استقلالية الهيئة لتكون فعالة، فإن القانون الصادر على عجل يجرد الآلية من أي درجة من الاستقلال الفعلي.
يسلط البيان المشترك الضوء على كيفية تعيين جميع أعضاء الهيئة من الرئيس واعتبارهم موظفين حكوميين وكيف ستعمل الهيئة نفسها كهيئة حكومية.
وقالت الهيئة إن القانون "يقوض إلى حد كبير استقلالية وشفافية وحياد" الآلية و"لا يوفر لها الأدوات القانونية اللازمة" لمنع التعذيب وسوء المعاملة المحظور، كما هو مطلوب بموجب البروتوكول الاختياري.
وطالبت عباس بوقف تطبيق القانون والسماح بالمزيد من المشاورات بشأنه.
***توصيات المذكرة
وشجعت المؤسستان لجنة مناهضة التعذيب على الإعلان بوضوح أن اتفاقية مناهضة التعذيب، كما صادقت عليها فلسطين دون تحفظات، تسري في جميع أنحاء دولة فلسطين.
كما أوصت اللجنة بأن تدعو (إسرائيل) إلى السماح لـ "اللجنة الفرعية لمنع التعذيب" بالوصول إلى الضفة الغربية وغزة من أجل مراقبة الالتزام باتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
وتشجع اللجنة على تقديم التوصيات التالية إلى دولة فلسطين، لتُنفذ في كل من الضفة الغربية وغزة:
أولًا: التعهد علنا بإنهاء الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، وإفلات قوات الأمن من العقاب.
ثانيا: الكف عن استخدام "الشبِح" والتعهد علنا بعدم استخدام هذا الأسلوب، وغيره من ضروب سوء المعاملة والتعذيب المحظورة، ومحاكمة أي عنصر أمن يمارسه؛
ثالثا: أمر المدعين بعدم استخدام الاعترافات والأدلة الأخرى التي ربما حصلوا عليها بالتعذيب، باستثناء استخدامه كدليل ضد التعذيب المزعوم؛ التحقيق، بطريقة شاملة، وحيادية وفي الوقت المناسب، في جميع المزاعم الموثوقة بالتعذيب وسوء المعاملة المحظور على أيدي عناصر وضباط الأمن، بغض النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي؛
رابعا: مقاضاة عناصر وضباط الأمن الذين توجد ضدهم أدلة على المسؤولية الجنائية عن التعذيب أو سوء المعاملة المحظور، بما فيها مسؤولية إصدار الأمر، وضمان تقديم جميع مرتكبي الانتهاكات الحقوقية الجسيمة إلى العدالة بغض النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي؛
خامسا: نشر بيانات عن عدد التحقيقات المفتوحة، والقضايا المحالة إلى الملاحقة، وعدد الإدانات على الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن والنتائج الأخرى؛
سادسا: إلغاء مرسوم إنشاء الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب وطرح قانون جديد ينشئ هيئة مستقلة تماما، بما يتماشى مع البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وأن يعمل فيها موظفون قادرون على العمل بشكل مستقل عن الحكومة وعلى القيام بعمليات تفتيش مفاجئة لمواقع الاحتجاز المعروفة والمشتبه بها، الرسمية وغير الرسمية، والتحقيق في شكاوى انتهاكات الأجهزة الأمنية، ومتابعة هذه الشكاوى في المحاكم المدنية، والاحتفاظ بسجل علني للشكاوى الواردة، والتحقيقات، والنتائج.
سابعا: وقف تسليم الفلسطينيين لجيش الاحتلال طالما يوجد تهديد حقيقي بالتعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة المحظور للمحتجزين؛
ثامنا: وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال التي تساهم في تسهيل التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة.
تاسعا: تعليق تنفيذ أحكام الإعدام بهدف إلغاء هذه الممارسة بشكل دائم.