نشرت صحيفة "التايمز" مقتطفات من كتاب لمايكل وولف "انتصار ساحق: الأيام الأخيرة لدونالد ترامب"، وهو كتاب ثالث له عن فترة ترامب في البيت الأبيض وما بعدها، حيث سيصدر في 13 تموز/ يوليو الحالي.
ويقدم وولف صورة عن حياة ترامب الجديدة في منتجعه مار- إي- لاغو بفلوريدا، والذي تحول كما يقول لقاعدة السلطة الجديدة للرئيس السابق.
وقال إن كل سناتور في الحزب الجمهوري وكل صاحب منصب فيه يأتون إلى ترامب طلبا منه للموافقة والدعم، وباستثناء عدد من المعارضين له.
وفي مساء ربيعي، استقبل السناتور عن كنساس جيري موران لمدة 20 دقيقة، ثم ريك سكوت عن فلوريدا الذي حصل على دعوة للعشاء إلى جانب الممثل جون فويت، أحد الأتباع المكرسين أنفسهم له وويلبر روس، وزير الاقتصاد السابق. وكانت سارة هاكلبي ساندرز، المتحدثة الإعلامية باسمه، والتي تريد ترشيح نفسها لمنصب حاكم كنساس، تحضر في ذلك المساء لحفلة جمع تبرعات في المنتجع.
ويقول وولف إن الحشد من المسؤولين والمعجبين هو فرصة لترامب لإظهار كم كان محبوبا وكم خسر الشعب في الانتخابات التي سرقت منه. ولا يقال هذا بمرارة، ولكن بحس من العظمة والسمو للبلاط الذي تحول إلى مكان أفضل.
ويعيش ترامب في هذا المكان، وسط ناد ريفي، حيث يقيم هو وميلانيا في مقرين منفصلين. ولم يعرف خلال السنوات الأربع في البيت كم من الوقت الذي قضته فيه أو ببيت في ميريلاند حيث أسكنت فيه والديها. ولم يسأل المساعدون أو يتساءلوا ونفس الحال هو في ماري- إي- لاغو، فالوضع غير واضح.
وتسود الحياة التقليدية في النادي من عمليات تذوق الخمر إلى ألعاب الكروكيه الفردية والليالي الآسيوية والهندية، على وقع عزف الأكورديون، ومسابقة البحث عن بيضة الإيستر، ووجبة عيد الأم بين الفطور والغداء. والعضوية مفتوحة في النادي، ولكن لم لديه الاشتراك السنوي 250.000 دولار والرسوم المكلفة الأخرى، والميزة الأخرى وهي الأهم أن تكون معجبا حتى الوله بترامب. ويشير إلى صور ترامب المعلقة على أبواب الحانة والجدران، وبعضها وهو يلعب التنس، وتناوله العشاء كل ليلة في فناء النادي، حيث يظهر بعد أن يحضر الجميع، وساعة حضوره يقف الجميع ويصفقون.
وعندما تحضر ميلانيا العشاء تتناوله معه على طاولة خاصة في الوسط، وتبدو مثل حديقة حيوان. ويقع المنتجع في طريق الطيران لمطار بالم بيتش الدولي، حيث تم تحويل معظم الطائرات في أثناء رئاسة ترامب، لكن الضجيج عاد من جديد، فهذا هو المعقل الجديد لأهم حركة سياسية في العالم الغربي تنتظر قائدها كي يتحرك الحركة الأولى، ولا يزال يعتقد أنه أجبر على الخروج من البيت الأبيض عبر انقلاب انتخابي استخدم فيها كل ملامح المجتمع الحديث وتنسيق مراكز القوة ضده.
وفي بعض الأحيان، يعتقد أنه أهم وأقوى شخصية سياسية في الولايات المتحدة، ولديه القوة لتعيين أو عزل أي عضو في الكونغرس تابع لدولته، ويدفعه الانتقام لضرب أي شخص يعتقد أنه مذنب بخلاف كبير أو صغير معه أو عصيان له. وفي الوقت الحالي، لا يبحث عن سلطة مطلقة أكثر من الركوع والتبجيل، ويعرف من حوله أو الذين يقلقون عليه وعلى أنفسهم أنه يواجه محاكم قضائية، وربما أدين، وبخاصة مكالمته لوزير خارجية جوريا براد رافينسبرغر، والتحقيق الجاري في هجوم 6 كانون الثاني/ يناير على الكونغرس، ويرى من حوله أن هذه جزء من عملية السرقة، وحملة جماعية ضده. والملاحقة له، هي بالضرورة سبب لقوته، وهو يعتقد أن الفاسدين والقبيحين هم من يلاحقونه: أي المستنقع والدولة العميقة والأخبار المزيفة.
ولهذا السبب يجب أن تستمر حركته، وربما رشح نفسه في انتخابات 2024، ويجب عليه أن يقاتل ضد من يريدون تدميره، ويقاتل من أجل أنصاره. وكلما ظل قويا استمرت حركته، لكنه يواجه التحديات القضائية دون أي محام حقيقي، حيث يسأل الزوار إن كانوا يعرفون محامين يمكنه الاعتماد عليهم. ولم يعد رودي جولياني جزءا من عائلة ترامب التي قطعت علاقاتها معه، بعدما تضايق ترامب من محاولاته الحصول على أتعاب مقابل عمله في تحدي نتائج الانتخابات.
ويواجه جولياني معارك قضائية شرسة قد تكلفه الملايين، وناشد عائلة ترامب مساعدته وبتهديدات خفية لجعل حملة الرئيس السابق تعويضه وتم تجاهله. وبالطبع تقوم مؤسسته السابقة بمداهنته وتصويره كبطل فاتح من خلال "مؤتمر الفعل السياسي المحافظ"، وكان على طائرته أن تنتظر في أول رحلة له بعد الرئاسة، وهو مهمش من المؤسسة السياسية، مع أنه يرى العكس.
ويعتبر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الشخص الذي يحتقره ترامب أكثر. ويعلق وولف بأن الإعلام الليبرالي يتحدث عن نهاية ترامب، بعدما خسر منصته على التواصل الاجتماعي، فماذا سيفعل دون تويتر؟ ومن سيستمع له؟ لكن الكثير من الجمهوريين يرون أنه وبعد هزيمته أصبح مهما لحياتهم أكثر مما كان في البيت الأبيض.
ويعتقد ترامب أنه هو الحزب الجمهوري، ولو رشح نفسه في انتخابات 2024 لفاز بغالبية ساحقة، كما يقول ميت رومني، السناتور الوحيد الذي صادق على محاكمته من الحزب الجمهوري، فهو لا يسيطر فقط على مالية الحزب، ولكن لديه قرار الحياة والموت على كل جمهوري يحتل منصبا. وفي الانتخابات النصفية لعام 2022، سيكون هناك مرشح منه كما وعد.
وهناك شائعات عن ترشحه لمقعد في الكونغرس، ليصبح زعيم الأغلبية، ويقود حملة لمحاكمة جوزيف بايدن. وبالنسبة لمساعديه، فهذا مضحك، لأن منصب زعيم الأغلبية وظيفة حقيقية، وهو لا يريد العمل، وبدلا من حمل ندوب الهزيمة، فإنه حولها إلى سلاح، وفي مركزها "السرقة"، لكنه يعمل وحيدا دون مستشارين إلا من يرى أن لديه معرفة، فليس هناك دراسات أو أوراق تقدر حجم التحدي الذي يواجه. ويعيش مستشاره وصهره جارد كوشنر وابنته إيفانكا في فلوريدا، ولكن على بعد 90 دقيقة من مقره، وهو قرار محسوب.
وكل واحد من أفراد عائلته يعرف عن التوازن الخطير بين التأثير والموقع في الحياة السياسية الأمريكية، وعار الهزيمة، وإمكانية الملاحقة القضائية، ولهذا فهم يحاولون الحذر.
والتقارير الأولية عن خطط زوجة ابنه لارا البحث عن مستقبل سياسي في 2022، إلا أنها اعترفت بالواقع وقررت الابتعاد. ومعه في المنتجع نيك لونا، مرافقه الشخصي من البيت الأبيض، والتي تعمل زوجته مع كوشنر. وهناك جيسون ميلر الذي يعيش في واشنطن، لكنه يعمل كمدير اتصالات غير متفرغ ومستشار سياسي.
ولا يذكر ترامب هوب هيكس، مساعدته الشخصية التي كانت الشخصية الأساسية في حياته السياسية اليومية، والتي تشرف على عملية صناعة القرارات، لكنها تركته في معركته الأخيرة، ولديه اليوم مساعدة شابة مثلها هي مارغو مارتن، لكن ترامب ليس بحاجة إلى مساعدين أو بنية تحتية حتى تحدث الأمور، فهو يتحدث ويجلس في ماي- إي- لاغو، ويتحدث دون نهاية، والجميع يستمع إليه.
ويشير الكاتب إلى لقاء الرئيس مع نائبه مايك بنس، في الخامس من كانون الثاني/ يناير، وتأكيده وتحريضه على عمل الصواب، لكن بنس أكد للرئيس أن الدستور لا يعطيه السلطة لعمل ما يريد، فقد كان ترامب يتوقع منه أن يلغي نتائج الانتخابات، وإن لم يفعل أن يرسل نتائج خمس ولايات للمشرعين للنظر فيها من جديد، لكن بنس لم يكن على اتفاق مع الرئيس، وإن تعاطف معه.
ويرى الكاتب أن تاريخ سنوات ترامب الأربع كانت عبارة عن الصعود غير المتوقع لجارد كوشنر، فقد كان معظم موظفي الويست وينغ والعاملين في الحملة الانتخابية ممن اختارهم كوشنر، وأهم ما كان يميزهم هو تسامحهم مع إفراط ترامب، وأنه يمكن الاعتماد عليه لوقفه عن المضي في تصرفاته، ولم يكن كوشنر مستعدا لأسباب دولية أو استراتيجية مواجهة صهره، لهذا كان يحاول التعايش اللين معه، فهناك بيت أبيض يعيش على المنشطات، وبيت أبيض تعامل معه كوشنر كان يعمل على جرعة صغيرة من المنشطات، فكل شيء حدث في البيت الأبيض كان نتاجا لنزوات ترامب، وهي مجموع من الحنق والغضب وتصفية الحسابات وعدم المعرفة، وما كان يحرك جماهيره، وتم تصفية هذا من خلال نظام يمنع ارتفاع درجة الحرارة بشكل مباشر، وبطريقة لا يلاحظها ترامب أو يلام عليها كوشنر.
ومبرر الأخير في البيت الأبيض وكونه صهرا للرئيس هو أن جعل من الأمور أقل سوءا، وفي الوقت نفسه حاول جارد وإيفانكا البحث عن جهود منفصلة وتقارير جيدة عنهما في الإعلام وإنجازات، كما لو أنهما يعملان في إدارة مختلفة؛ فإيفانكا حاولت تقديم نفسها على أنها مركز عالم ترامب مختلف عن والدها الذي يعمل في فلك آخر. أما جارد، فقد نسب دبلوماسية اتفاقيات إبراهيم والتطبيع العربي مع إسرائيل على أنه إنجازه الخاص المستقل عن الرئيس. وبدا كوشنر في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترامب مهتما بتركيز ما تبقى من وقت وطاقات لتأمين اتفاقيات تطبيع جديدة، وتأمين إرثه على حساب محاولة تخفيف أو إدارة انهيار الانتخابات، وكان مستعدا للتضحية بميراث والد زوجته أو التقليل من خسائره. وكانت إيفانكا مشغولة بالانتقال إلى فلوريدا. وكان غيابهما من الويست وينغ والحملة دليلا على رحيلهما بدلا من العمل على إدارة الأمور وجعلها أقل سوءا لترامب.
وفي الأيام الأخيرة من حكمه، انشغل ترامب بالعفو، ولأنه لم يكن في مزاج قراءة القوائم والتفاصيل، فكان السؤال "من تعتقد أنه يستحق العفو، اذكر اسما". وفي مرة أصبح مهتما بجسلين ماكسويل صديقة جيفري إبيستين المتهم بانتهاكات الفتيات وتواجه سنوات سجن. وحاول ترامب التقليل من علاقته الطويلة مع إبيستين، لكنه سأل: "هل قالت أي شيء عني"، و"هل ستتحدث؟ وهل ستدوس على أحد؟". لكن السؤال تحول لاحقا حول العفو عن نفسه: "يقولون أستطيع، لدي سلطة عفو لا محدودة". لكن كوشنر أخبره أن العفو قد يخلق له مشاكل كثيرة مع الحكومات الفدرالية، وربما عفا عن عائلته أو حتى كوشنر، لكن أحدهم مرر اسم ستيفن بانون المسؤول عن فوزه الأول، وكان يواجه اتهامات، ووافق على العفو عنه.