قال رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري إن كتلته البرلمانية لن تسمي أحدا في المشاورات المقبلة لاختيار رئيس وزراء جديد، في حين قالت الرئاسة إن الحريري لم يكن مستعدا لأي تعديل من أي نوع كان على مقترحه الحكومي.
وأضاف الحريري، في مقابلة مع قناة "الجديد" المحلية، أنه تخلى عن تشكيل الحكومة بعدما تأكد أن الرئيس ميشال عون ما زال يريد الثلث المعطل وأن حزبه لن يمنح الثقة للحكومة، مؤكدا أنه لم يفرض شروطا على الرئيس.
وكان رئيس الحكومة المكلف أعلن الخميس من القصر الرئاسي اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة، بعد 9 أشهر على تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.
وقال الحريري للصحفيين، إثر لقاء استمر 20 دقيقة مع رئيس الجمهورية، إن الأخير طلب "تعديلات" على الصيغة الحكومية التي اقترحها عليه أمس، متهما عون بالإصرار على موقفه.
ونقل عنه قوله "لن نتمكن من أن نتوافق". وأضاف الحريري "لذلك قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة، وليعن الله البلد".
وأوضح أنه اقترح على عون مزيدا من الوقت للتفكير بالصيغة التي اقترحها عليه الخميس، لكن الرئيس أجابه "لن نتمكن من أن نتوافق".
الرئاسة: الحريري لم يكن مستعدا
وفي أول تعليق لها على تصريحات الحريري واعتذاره عن تشكيل الحكومة، قالت الرئاسة إن الحريري لم يكن مستعدا للبحث في أي تعديل من أي نوع كان، وإن رفضه مبدأ الاتفاق بخصوص التشكيلة الحكومية دليل على أنه اتخذ قرارا مسبقا بالاعتذار.
وقالت الرئاسة إن عون طلب من الحريري تعديل الصيغة الحكومية، والعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقا.
وأضافت أن عون سيحدد موعدا للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن بعد اعتذار الحريري.
احتجاجات وقطع طرقات
وقد قطع عشرات المحتجين، الخميس، عددا من الطرق في مناطق مختلفة من البلاد، عقب اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، واحتجاجا على الأوضاع المعيشية.
وقالت الوكالة الوطنية للإعلام إن محتجين قطعوا طريق المدينة الرياضية (غرب) بحاويات النفايات، في وقت وقعت فيه مواجهات بين المحتجين وعناصر الجيش.
وتم خلال المواجهات رشق عناصر الجيش بالحجارة، ورد الأخير بإطلاق الرصاص المطاطي بالهواء في محاولة لتفريق المحتجين، وما زالت المواجهات مندلعة بالمدينة الرياضية وفقا لوكالة الأناضول.
وفي سياق متصل، ذكر شهود عيان للأناضول أن محتجين قطعوا أوتوستراد (طريق رئيس) خلدة والناعمة (غرب بيروت) في الاتجاهين بالإطارات المشتعلة، عقب اعتذار الحريري واحتجاجاً على الأوضاع المعيشية.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن محتجين قطعوا عدة طرق في البقاع (غرب) منها في تعلبايا، مثلث الفاعور، الروضة.
وفي الجنوب، حسب الوكالة، قطع عدد من الشبان الطريق في جادة رئيس مجلس النواب نبيه بري البحرية بصور، وحطموا محتويات مطاعم ومقاه، وطردوا الزبائن منها، بعد سماعهم اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة.
وفي صيدا (جنوب) ذكر شهود للأناضول أن شبانا قطعوا الطريق عند ساحة الشهداء بحاويات النفايات والعوائق، احتجاجا على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وعلى تأزم الوضع السياسي والمعيشي من دون إيجاد حلول للأزمة.
وفي الشمال، قطع محتجون على اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة طريق الضنية طرابلس في بلدة مرياطة بالإطارات المشتعلة، بحسب الوكالة.
ردود خارجية
وفي ردود الفعل الخارجية قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن إعلان استقالة سعد الحريري كرئيس وزراء مكلف في لبنان هو تطور آخر مخيب لآمال الشعب اللبناني، وشدد على الأهمية العاجلة لتشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات ذات الأولوية.
وأضاف أن الحكومة يجب أن تبدأ في التحضير للانتخابات البرلمانية العام المقبل، مشدد على ضرورة إجرائها في موعدها، واتهم الطبقة السياسية في لبنان أنها أهدرت الشهور التسعة الماضية، كما حذر من أن الاقتصاد اللبناني في حالة سقوط حر، قائلا إن الحكومة الحالية لا تقدم الخدمات الأساسية بطريقة موثوقة.
ودعا بلينكن القادة اللبنانيين إلى تنحية الخلافات الحزبية جانبا، وتشكيل حكومة تخدم الشعب اللبناني.
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أن الإخفاق في تشكيل حكومة لبنانية جديدة أمر مروع، وانتقد الطبقة السياسية التي تحكم البلاد بأكملها.
واعتبر لودريان اليوم في الأمم المتحدة أن اعتذار الحريري عدم تشكيل حكومة يشكل "فصلا مأسويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة (…) في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي" في البلاد.
وقال "هذا التدمير الذاتي المستمر شهد للتو فصلا جديدا، ولكن لا يزال الوقت متاحا للنهوض مجددا. هذا الأمر يضع السياسيين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم"، مبديا أسفه لاتخاذ الحريري قراره قبل أيام من الذكرى الأولى للانفجار المروع بمرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.
وفي حديث للصحفيين بالأمم المتحدة في نيويورك، قال الوزير الفرنسي "ما فهمته هو أن رئيس الوزراء المكلف الحريري عرض تشكيل حكومة على الرئيس عون الذي رفضها.. ومن المنطقي فحسب أن يصل رئيس الوزراء لأحكامه الخاصة".
بدورها، عبرت نائبة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن أسفها لعدم تمكن قادة لبنان من التوصل لاتفاق تشكيل الحكومة، وجددت دعوة منظمتها إلى الاتفاق على تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات في لبنان.
جوهر الخلاف
وقال مدير مكتب الجزيرة في لبنان مازن إبراهيم إنه كان من الواضح أن التشكيلة التي قدمها الحريري تراعي ما يصفه بحكومة الاختصاصيين وفق المبادرة الفرنسية وما دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولكنها لم تراع شرطا طلبه عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يقضي بألا يقوم رئيس الحكومة بتعيين أو تسمية وزراء من الطائفة المسيحية، وذلك على اعتبار أن هؤلاء ينبغي تسميتهم من طرف رئيس الجمهورية.
وأضاف أن هذه نقطة الخلاف الجوهرية التي لا تتعلق بتفاصيل مرتبطة بمقعد هنا أو حقيبة هناك في التشكيلة الوزارية، ولكن بقراءة لآلية تشكيل الحكومة وما بعد اتفاق الطائف وتوزيع الصلاحيات ومقتضيات الدستور.
وبشأن أصداء قرار الحريري، قال مدير مكتب الجزيرة إنه ليست هناك مواقف واضحة حتى الآن من الأطراف السياسية، مشيرا إلى حدوث قفزة كبيرة في سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، حيث تجاوز سعره فيها 21 ألف ليرة.
وأكد أن المسار الآن بات معقدا، وأن الجميع يترقب الآن ماذا سيفعل رئيس الجمهورية، وما الذي سيقوله الحريري في مقابلة يجريها الليلة مع قناة محلية.
وأضاف مدير مكتب الجزيرة أن على رئيس الجمهورية أن يقوم الآن باستشارات نيابية ملزمة لاختيار مرشح جديد لتشكيل حكومة.
ضغوط الساعات الأخيرة
من جهة أخرى، اطلع عون من السفيرتين الأميركية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو، في بيروت، على نتائج لقاءاتهما بالعاصمة السعودية الأسبوع الماضي.
وقالت الرئاسة إن عون استلم من السفيرتين رسالة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة وفرنسا أكدا فيها اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الظروف الصعبة.
وقد ذكرت الخارجية الأميركية أن الرئيس جو بايدن يبحث مع نظيره الفرنسي الجهود المبذولة لمعالجة وضع لبنان.
ويوم الاثنين الماضي، أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عن توجه لفرض عقوبات على قادة مسؤولين لبنانيين عن التعطيل قبل نهاية الشهر الحالي.
الأزمة تتفاقم
ويواجه لبنان انهيارا اقتصاديا رجح البنك الدولي أن يكون من بين أشد 3 أزمات في العالم منذ عام 1850.
ومن شأن اعتذار الحريري أن يفاقم حالة الشلل السياسي الذي يعمق معاناة اللبنانيين يوما بعد يوم، على وقع تدهور كبير بقيمة الليرة، وأزمة وقود ودواء، وساعات تقنين في الكهرباء تصل إلى 22 ساعة.
والحريري -الذي أسند إليه عون تشكيل الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي- هو الشخصية الثانية التي تعتذر عن المضي في ما أوكل إليه، وقد تبادل الاثنان الأشهر الماضية الاتهامات بالتعطيل جراء الخلاف على الحصص وتسمية الوزراء.
ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا -خصوصا على الطبقة السياسية- في تسريع تشكيل الحكومة، رغم أن المجتمع الدولي اشترط أن تكون من اختصاصيين، وتقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.
9 أشهر محاولات
وقبل أشهر، أعلن الحريري تقديمه تشكيلة حكومية إلى عون، لكن الأخير رفضها.
وعلى مدار نحو 9 أشهر، حالت خلافاتهما دون تشكيلة تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب، والتي استقالت في 10 أغسطس/آب 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي في مرفأ بيروت.
وتركزت أبرز هذه الخلافات حول حق تسمية الوزراء المسيحيين، مع اتهام من الحريري ينفيه عون بالإصرار على الحصول لفريقه -ومن ضمنه جماعة حزب الله- على الثلث المعطل، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكم في قرارات الحكومة.
ومنذ أواخر 2019، يرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث أدت إلى انهيار مالي وتدهور القدرة الشرائية لمعظم سكانه، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وتبدو الأزمة مرشحة للتفاقم مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، وتسبب في دمار أحياء من العاصمة.
ولم يصل القضاء بعد إلى أي نتيجة حول من يتحمل مسؤولية الانفجار، علما بأن المؤشرات واضحة على أن الإهمال لعب دورا كبيرا في انفجار مواد خطيرة مخزنة عشوائيا.
المصدر : الجزيرة + وكالات