عشرات الأقدام لجنود (إسرائيليين) تحاصر قدمين فلسطينيتين، لم يظهر لنا من مقطع الفيديو سوى الأطراف السفلية، تدريجيًا كان ذاك المقدسي يتلقى الضربات بوحشية، التصق جسده بجدار أحد المحلات في باب العامود، ففي القدس يستند الرجال على الجدران فتحميهم!
يرتطم الجسد مرة.. مرتين وعشرة، صوت من بعيد ينادي عليه "اشرد.. اهرب"، ظلت قدماه ثابتتين، وعلا صوت تكبيره، لم ينكسر، لم يهرب.. كما القدس.. كما الأقصى!
نتابع الصور ومقاطع الفيديو التي تصلنا تباعًا من المسجد الأقصى، لا ندري من الذي عكس بنوره على وجه الآخر، هل هي القبة الذهبية، أم هو وجه ذاك المقدسي الذي انتفض مدافعًا عن زهرة قلبه والمدائن!
استفزاز وقنابل غاز!
مشهد واحد كان كفيلًا بأن يلخص لنا وحشية ما يجرى في المسجد الأقصى منذ مساء السبت بعد ساعات من مسيرة المستوطنين حول أسوار القدس القديمة والاحتشاد قبالة باب الأسباط.
كانت البداية استفزازية للشباب المقدسي الذين حاولوا التصدي لمسيرة للمستوطنين نُظمت قرب باب العامود بالقدس المحتلة، فحاصرتهم قوة (إسرائيلية) وقامت بضربهم!
تئن جدران القبلي الآن بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال (الإسرائيلي) صباح اليوم الأحد باحات المسجد الأقصى واعتدت على المصلين داخل المصلى، وذلك تمهيداً لاقتحامات جماعية للمستوطنين بمناسبة ما يسمى بذكرى "خراب الهيكل".
صباح الأحد كان مختلفًا، شبان يهتفون، يجمعون الحجارة، من أجل حماية أقصاهم وليس من أجل أحد، يدرك جميع من هناك أن سلميته لا تعني للعدو المتعطش للموت شيئًا، المهم أنه هنا لإثبات حقه بهذه الأرض على طريقته الخاصة!
لا موعد ثابتاً لتعطش هذا المحتل للدماء، بعد انتهاء صلاة الفجر كان الموعد هذه المرة، حيث اقتحمت قوات الاحتلال معززة بالوحدات الخاصة ساحات الحرم القدسي الشريف، وقمعت مسيرة عند قبة الصخرة تعالت هتافاتهم منها "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
لم يشبع هذا القمع رغبتهم في القتل والإبادة، ماذا يمكن أن يفعل هذا الجيش سوى محاصرة المسجد القبلي قبل أن اقتحامه والاعتداء على المصلين، بالتزامن مع إخلاء ساحات المسجد الأقصى من المصلين ومنعهم من التجمهر.
500 مستوطن!
صوت تلك القنبلة الغازية داخل المسجد القبلي لإفراغه من المحاصرين داخله هذا الصباح، تعيدنا إلى أحداث القدس قبل انتصاره بساعات!
دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، تؤكد بأن أكثر من 500 مستوطن اقتحموا باحات المسجد الأقصى المبارك منذ الساعة السابعة والنصف صباحا، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
مجموعات كبيرة تشبه التي اقتحمت القدس قبل هبته الأخيرة.
تفيد الأوقاف بأن المستوطنين اقتحموا المسجد انطلاقا من باب المغاربة على شكل مجموعات كبيرة وتجولوا في باحاته بشكل استفزازي، برفقة المتطرفَيْن ايهودا غليك وبن جيفر، وتلقوا شروحات عن "الهيكل" المزعوم، فيما قام بعضهم بتأدية شعائر تلمودية قبالة قبة الصخرة.
حواجز معدنية نُشرت في منطقة باب العامود بالقدس القديمة، تبكي الجدران هنا، وحدها لا تستطيع النطق أو الهتاف الآن، وهي الشاهدة بعد إخلاء الباحات من المصلين!
دعوات للتواجد، لا تتركوا الأقصى وحيدًا، ونشطاء مقدسيون يستنجدون لهبة جديدة من أجل حماية الأقصى، بعد أوامر رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت بمواصلة اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وأمام هذا القهر كله، تئن مآذن القدس الآن بدلًا من تكبيرات العيد!