الرسالة نت - مها شهوان
خرج ابنا العم من نظارة المحكمة التي تقع أسفل محكمة بداية غزة مكبلين بالأصفاد الحديدية وعناصر الشرطة من حولهما، وصعدوا بهما لقفص الاتهام حتي يتم الحكم عليهما. لحظات صمت سادت أرجاء قاعة المحكمة حينما دخل المتهمان يجران الخيبة مرسومة على وجهيهما، اجواء زادت من فضول الحضور لسماع الحكم عليهما.
المتهمان قبض عليهما لارتكابهما جريمة قتل عمد بحق ابن عمهما ، وتعود تفاصيل القضية إلى عامين مضيا حينما كفل المغدور ابن عمه بمبلغ من المال لدى احد معارفه ، لكن القاتل لم يحفظ له الجميل بعدما سمعه يشتكي للمتهم الثاني في القضية مماطلته في سداد الدين.
ووفق تحقيقات النيابة ادعى المتهم الثاني أنه لم يقتل بل ساعد ابن عمه في نقل الجثة للسيارة ورمياها قرب مقبرة الشيخ رضوان ، مدعيا أن دافع القتل لدى شريكه هو شكوكه بوجود علاقة بين زوجته والمغدور.
وبحسب تفاصيل الملف الذي اطلعت عليه "الرسالة" بعد ان تمت عملية القتل، فقد جلب احد المتهمين قلم وكتب على صدر المقتول "الشرف غالي "ومن ثم لفه بـ"بطانية" ووضعه في السيارة والقوا به في مكان بعيد ظانين أن لا احد سيشك بهم.
لم يتوقف الأمر عند القتل بل وصل الحد بالمتهم الذي وجهت إليه تهمة القتل وفق التحقيقات إلى الذهاب لحضور فرح قريبه في إحدى الصالات وشارك بالرقص أيضا وكأن شيئا لم يكن.
اعدام ومؤبد
وكيل النيابة بدا عليه الاستياء من القضية ولم يرق له إلا المطالبة بإنزال اشد العقوبة على المتهمين اللذين وقفا في القفص يرمقانه بنظرات ارتباك.
وقال " انطلاقا من كون النيابة العامة خصما شريفا في الدعوى وتسعى لتطبيق القانون محصت أوراق القضية باحثة عن ظروف لتخفيف العقاب عن المتهمين فلم تجد سوى روحا صعدت للسماء تئن من ظلم المدانين وتطالب بالقصاص لاسيما لعدم وجود سند مصالحة بين المدانين وذوي المغدور لذا لابد من تنفيذ حكم الإعدام عليهما".
وكيل أحد المدانين ترجل من مكانه متجها صوب هيئة القضاة مخاطبا إياهم بتخفيف العقوبة وإنزالها إلى المؤبد كما في الحالات التي لا تتم المصالحة فيها أو تنازل ولي الدم .في حين دافع ولي المتهم الثاني عن موكله قائلا :" ينكر موكلي ارتباطه بالواقعة فهو ذو سمعة طيبة ولم يسبق له ارتكاب جرم لذا التمس من عدالتكم النزول للحد الأدنى من العقوبة".
بعد انتهاء محامي الدفاع سادت لحظة صمت داخل القاعة حتى جاء صوت القاضي معلنا كسر حاجز الصمت بنطقه بالحكم قائلا :" باسم الشعب الفلسطيني حكمت المحكمة بإعدام المتهم الأول، بينما الثاني فعقوبته المؤبد".
جسد المقتول
رئيس محكمة بداية غزة القاضي اشرف فارس هو من نطق بالحكم الاخير، حيث ذكر ان التحريات اثبتت بأن المقتول يشهد له بدماثة خلقه وحسن طباعه ، والتهمة التي ادعاها احد المتهمين بوجود علاقه بينه وبين زوجته ليس لها اساسا من الصحة.
ونوه فارس الى ان المحكمة لا تنظر لسبب القتل بصورة كاملة طالما كان القتل مقصودا الا في حالات الشرف وغسل العار ، مشيرا الى انهم اخذوا في عين الاعتبار للقضية خنق المقتول وتشويه سمعته ورميه بطريقه مقززة .
واوضح ان القتلة حاولوا تحريف جهات التحقيق وتضليلها بعدما كتبوا كلمات بذيئة على جسد المقتول ليعتقد الجميع انه قتل بدافع الشرف، لذا جاءت العقوبة قاسية على المتهم الاول.
وبرر القاضي حكم المتهم الثاني بالمؤبد بالقول :" عدم وجود ادلة كافية لمعاقبة المتهم الثاني بالإعدام ادت لخلاف بين اعضاء هيئة المحكمة، لذا قررت الحكم عليه بالمؤبد".
في كثير من ملفات القضاء التي طرحت مؤخراً، نجد ان القاتل يخلى سبيله بعد مكوثه في السجن بعض سنوات ، لكن في قضيتنا اخذ المتهمين احكاما عالية وحول ذلك يقول فارس:" لو تمت المصالحة وارتضى اهل المجني عليه واخذوا الدية لاختلف الحكم خاصة وان المشرع الزم المحكمة تخفيف الحكم بما يتوافق مع الشريعة الاسلامية في حال المصالحة" .
العدالة الاجتماعية
ومن الناحية الاجتماعية يرى د. وليد شبير أن الحكم الصادر بحق المتهمين سيحقق العدالة الاجتماعية ولن يسمح لمن تسول له نفسه بارتكاب مثل تلك الجريمة ، مبينا انه اذا طبق الشرع سيأمن المجتمع .
وفسر عدم مبالاة المتهمين عند اصدار الحكم الى جهلهما فيما صدر ضدهما وذلك يمكن كشفه من خلال طبيب نفسي مختص.
واوضح شبير ان ما فعله المتهمون سيؤثر على ابنائهم ويشعرهم بالنقص والكراهية باعتبارهم منبوذين من المجتمع لاضطرابات نفسية المت بهم ، بالإضافة الى وصمة العار التي ستلاحقهم ،داعيا رجال الاصلاح والدين لحل تلك المشكلة من خلال تقوية الوازع الديني وتقوية الذات من قبل الابناء انفسهم.
وفي ختام ملفنا القضائي الذي خيم عليه الغموض لعدم وجود حجة قوية لدى المحكمة تبين سبب ارتكاب جريمة القتل تبقى تفاصيل القضية طي الكتمان داخل صدور المتهمين.