كغريق يتعلق بـ"قشة"؛ تحاول قيادة السلطة الفلسطينية التشبث بأي مسار جديد يمكن أن يفتح لها باب التواصل والاستمرار في العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي والسير في أي مسار يمكن أن يحفظ بقاءها قدر الإمكان ولو على حساب الثوابت الفلسطينية.
ويمكن القول إن ثمة تحولات في المشهد لدى قيادات السلطة طرأت مؤخراً، أظهرت ميلهم إلى أي حل اقتصادي أو تنفيس ينشل السلطة من أزمتها السياسية والشرعية ويضمن لها البقاء ويخفف حالة السخط الشعبي التي تشكلت في الآونة الأخيرة وباتت تطالب برحيلها.
ويبدو أن قيادة السلطة تراهن بشكل كبير على التغير في السلوك الإسرائيلي نحوها، لا سيما بعد تشكيل حكومة نفتالي بينت، وضغط الإدارة الأمريكية الجديدة التي تدعم العودة لمسار التسوية وتعزيز ما تسميهم بأطراف الاعتدال.
وتدرس سلطات الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ عدّة إجراءات لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها السلطة الفلسطينية بعد ضغوط أمريكية، منها احتمال تقليص جبي التزامات السلطة المالية، بهدف دفع وضعها الاقتصادي إلى الاستقرار، بحسب ما ذكر المراسل السياسي لموقع "هآرتس" يوناتان ليس، مساء الجمعة الماضي.
وقال وزير جيش الاحتلال، "بيني غانتس"، إن "إسرائيل" بحثت مع الولايات المتحدة، مبادرات اقتصادية واجتماعية لتقوية السلطة الفلسطينية، وكتب غانتس في تغريدة عبر "تويتر"، التقيت هذا الصباح مع القائم بأعمال السفير الأمريكي في "إسرائيل" مايكل راتني.
انقاذ السلطة
ويؤكد عضو المجلس المركزي الفلسطيني، نبيل عمرو أن هناك انقلاباً في الصيغة وانقلاباً في المعادلة السياسية، وفي البدايات كنا نتحدث عن مشروع سياسي ضخم، فيه فترة انتقالية ستفضي في النهاية إلى دولة، وكانت هناك رعاية دولية لهذا المشروع، ولا يوجد زعيم في العالم لم يزر فلسطين والتقى الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ويضيف عمرو في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على (فيسبوك) أن الانقلاب تحول من طرح الموضوع السياسي الاستراتيجي للعملية السياسية المرعية إقليمياً ودولياً إلى الميلان تجاه الحل الاقتصادي.
ويبين أن هناك انقلاباً في الصيغة والمضمون، والأخطر أن الأمريكيين والأوربيين، أسندوا مهمة إنقاذ السلطة لـ"إسرائيل"، وهذا هو ما أعنيه بالانقلاب، وهو انقلاب جذري.
ولفت عمرو إلى أن الذي يحدث الآن التحول من مشروع استراتيجي كبير كان ينبئ بولادة دولة فلسطينية، إلى حلول إسعافية تستند فيها المهمات الرئيسية إلى "اسرائيل".
وختم بأن المبعوث الأمريكي الذي زار المنطقة مؤخراً وهو منخفض المستوى جاء وخرج باستنتاج أن الوضع في مناطق السلطة كغابة جافة على وشك الاحتراق.
خداع جديد
ويرى الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب أن أي مسار سياسي يمكن أن يُستأنف قريباً سيكون الهدف المقصود منه هو اللقاءات العبثية، وتضييع المزيد من الوقت والحقوق الفلسطينية، وإعطاء حكومة بينيت غطاء لمواصلة مخططات الاستيطان وبسط الهيمنة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية بعد سيطرة "إسرائيل" على القدس بشكل كامل.
ويوضح الغريب في حديثه لـ"الرسالة" أن هذا الأمر سيشكل خداعاً جديداً للسلطة وتوفير غطاء لمزيد من شرعنة الاحتلال وتنفيذ مخططاته بحق الأرض والهوية والإنسان الفلسطيني وترسيخ حقائق لا تخدم إلا المشروع الصهيوني.
ويشدد على أن أي حراك تفاوضي جديد لن يكون هدفه إلا فرض استحقاقات أمنية والمزيد من حماية أمن المستوطنين واختزال ما تبقى من اسم السلطة، إلا لمزيد من تعزيز التنسيق الأمني وملاحقة المقاومة واستئصال أي بذور لها في الضفة الغربية، لإدراك "إسرائيل" أن جوهر الصراع هو ساحة الضفة الغربية والقدس.
ويلفت إلى أن حل الدولتين الذي من المتوقع أن يعاد تسويقه في أي مسار سياسي جديد لم يعد قابلاً للتطبيق بشكل مطلق، في ضوء الوقائع الجديدة الذي فرضها الاحتلال على الأرض، وبالتالي أي تساوق فلسطيني جديد مع هذا التوجه ما هو إلا سياسة تطويع جديدة بشروط إسرائيلية أمام حالة الضعف وعدم امتلاك المفاوض الفلسطيني أوراق قوة يفاوض فيها "إسرائيل".