تُوّجت الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية بانضمام الكيان رسميًا للاتحاد الأفريقي، بعد نحو عقدين من فقدان وضعه كمراقب، في أعقاب حلّ منظمة الوحدة الأفريقية في العام 2002 وإنشاء الاتحاد الأفريقي.
تعود "إسرائيل" إلى أفريقيا بنشوة بالغة بعد نجاحها في إقامة علاقات مع 46 دولة أفريقية، وفق وزير خارجيتها يائير لابيد، الذي وصف الحدث بأنه "يوم للاحتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية".
إن تقدير معاني انضمام "إسرائيل" إلى الاتحاد الأفريقي وصياغة المواقف السياسية على ضوئها، يجب أن يبدأ بالمرور على الخلفيات الكاملة والأهداف الحقيقية لتواجدها في القارة السمراء، فقد عملت "إسرائيل" في أفريقيا كدولة متبرعة (Donor)، وكانت من أوائل الدول التي ساعدت الدول الأفريقية فور حصولها على استقلالها.
افتتحت "إسرائيل" أول سفارة لها في غانا 1957، باعتبارها أول دولة حصلت على استقلالها في ذلك العام، حيث تحرص "إسرائيل" على إقامة سفارة لها في كل دولة أفريقية فور حصولها على استقلالها، ولا تركز فقط على الدول الكبرى والمهمة، إلى جانب الزيارات لرؤساء حكومات ووزراء وكبار موظفي الكيان، إلى الدول الأفريقية للغرض الإعلامي وتوطيد العلاقات.
وبينما لم تستطع دول أفريقية إقامة سفارات لها في "إسرائيل" لأسباب مادية، بادرت "تل أبيب" بتخصيص بعض الأراضي أو المنازل لها ومشاركتها في تغطية نفقاتها.
تتحرك "إسرائيل" نحو أفريقيا بدافع وهدف استراتيجي وسياسي واقتصادي، وكذلك أيديولوجي، وقرار انضمامها للاتحاد الأفريقي هو نتيجة عمل دبلوماسي حثيث وممتد منذ المساهمات الأولى لوزيرة الخارجية "جولدا مائير" التي أشرفت على إرسال مئات المتخصصين الإسرائيليين إلى أفريقيا، وهذه الأهداف على النحو التالي:
الأهداف السياسية:
*-استكمال مسلسل التطبيع، أو كسر ما كان قائماً سابقًا تحت اسم "الحصار السياسي العربي"، من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الجديدة في أفريقيا، وهو ما عبّر عنه مسؤول إسرائيلي بقوله: "كان الطوق العربي الخانق حولنا، وقفزنا من فوقه من خلال الصداقة مع الأفارقة".
*-تغيير أنماط تصويت الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، انطلاقًا من كون الدول الأفريقية المستقلة تشكّل حوالي ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو عدد أكبر من عدد دول أمريكا اللاتينية أو آسيا.
*-ويشرح هذا الهدف أكثر، قول جولدا مائير في إحدى المقابلات: "في 1957 و1958، كنت أنظر حولي في الأمم المتحدة وأفكر في نفسي: ليس لدينا هنا أسرة ولا حتى شريك في اللغة والماضي".
وتقصد بالماضي الدول التي عانت من الاستعمار والتفرقة العنصرية والإهانة. ثم أضافت: "هل دخلنا إلى أفريقيا لأننا رغبنا في أصوات الأمم المتحدة؟ أجل، بالطبع، هذا أحد دوافعنا، لم أُخفه أبدًا عن نفسي أو عن الأفارقة".
*-خلق صورة إيجابية لنفسها من خلال تقديم المساعدات للدول النامية، في ظل الصورة الدموية لها في الصراع العربي الإسرائيلي.
*-منع أي مبادرات أو مساهمات أفريقية -رسمية أو غير رسمية- لدعم القضية الفلسطينية، ومساندة الحق الفلسطيني.
*-توظيف حقيقة أن ثلث سكان أفريقيا هم من المسلمين، في منع تحوّل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع ذي طابع ديني بين "إسرائيل" والعالم الإسلامي.
الأهداف الاقتصادية:
*-نهب ثروات القارة الأفريقية وسرقة معادنها الثمينة وأبرزها الألماس، واكتشاف المزيد من مصادر النفط وزيارة وارداتها؛ بغرض تقليل ارتباطها بنفط الشرق الأوسط.
*-فتح أسواق جديدة للبضائع الإسرائيلية، وتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية في مجالات الزراعة والاتصالات والبنية التحتية وغيرها، إلى جانب الصادرات الأمنية ومبيعات السلاح.
*-توسيع نشاط ميناء إيلات من خلال توسيع حجم التجارة مع دول شرق أفريقيا خاصة.
الأهداف الاستراتيجية:
*-تعتبر دولتا إثيوبيا وإريتريا اللتان تقعان على ساحل البحر الأحمر وباب المندب، قريبتين جغرافيًا من الكيان الإسرائيلي، وبالتالي هما مهمتان في تأمين طرق الطيران والملاحة الإسرائيلية.
*-اختراق الأمن القومي العربي والإسلامي، والتحكم بمصائر الشعوب وشؤونهم الداخلية.
لا بد أن "إسرائيل" بعد هذه الخطوة ترقص "رقصة التابوت" الأفريقية الشهيرة، وتحمل على أكتافها جثة الموقف العربي؛ احتفالًا بموته، الذي كان في وقت سابق سببًا في إقناع الدول الأفريقية ومنعها من استئناف العلاقات مع "إسرائيل"؛ من خلال المساعدات وبرامج التنمية عبر الصناديق العربية؛ لأجل "صدّ التوغّل الصهيوني"، وربط إعادة العلاقات بتنفيذ جميع القرارات الدولية المتعلقة بالحقوق العربية، وحلّ القضية الفلسطينية.
ويتّسع التابوت أيضًا للدبلوماسية الفلسطينية التي يتهمها البعض بالضعف، رغم أن الحقيقة هي أنها غائبة كليًا، وليست مؤثرة أو فاعلة في مسار العلاقات العربية والإسلامية، مقارنة بنشاط الخارجية الإسرائيلية، التي لن يكون الاتحاد الأفريقي محطتها الأخيرة في منظومة المؤسسات العربية والإسلامية، لتقدّم بذلك شهادة وفاة حقيقية للدبلوماسية الفلسطينية، أو بالأحرى تصريحًا بالدفن.