تتصاعد فوضى السلاح في مدن الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع الأزمة التي تعيشها السلطة نتيجة تصاعد موجات الغضب والاحتجاجات ضدها، عقب اغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات.
عدة جرائم شهدتها مدن الضفة خلال الأيام الأخيرة عكست مشهد الفوضى، فقد أطلق مسلحون الرصاص على مركبة المواطن باسل فخري الجعبري وسط مدينة الخليل ما أدى إلى مقتله، وقبلها بأيام جرت جريمة اغتيال المستشار عكرمة مهنا في طولكرم.
هذه الجرائم نتيجة طبيعية لانتشار الفوضى والفلتان الأمني بالضفة، والتي تغذيها السلطة عبر أجهزتها الأمنية التي تعزز المشاكل والشجارات وتزود العائلات بالسلاح، حيث أن معظم تجار السلاح في الضفة هم من الأجهزة الأمنية.
وتكمن السياسة القديمة الجديدة للسلطة في تكديس السلاح لكل تيار من التيارات المتصارعة في السطلة والتي تستعر الصراعات بينها مع قرب انتهاء عهد رئيس السلطة محمود عباس واشتعال حرب الخلافة، ما انعكس على المشهد الميداني بالمزيد من الفوضى والجرائم وتكديس سلاح الفلتان الأمني، فهي تؤمن أن حل مشاكلها يأتي عبر عمليات القتل والتخريب ونشر الفوضى.
وتشهد الضفّة منذ أوائل عام 2019 تزايداً في استخدام السلاح بما يثير مخاوف فلسطينيّة من انتشار الفوضى الأمنيّة، عقب مظاهر إطلاق النار في الشوارع وقتل عدد من الفلسطينيّين، خاصة في المخيمات التي تجري فيها اشتباكات من حين لآخر.
الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، أطلقت في العام 2020 حملة حول فوضى السلاح في الضفة الغربية، حيث قال مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان د. عمار دويك، إنه حاول رصد هذه الظاهرة الخطيرة، ضمن الحملة التي أطلقتها الهيئة، بعد ملاحظتهم في عام 2020 ازدياد فوضى السلاح التي نجم عنها حالات قتل كثيرة.
وبين دويك أن الفوضى تترتب عليها آثار جانبية خطيرة جداً، كعدم الشعور بالأمان، والرغبة بالهجرة، ونزوح داخلي يؤثر على الاستقرار الأسري، ومشاكل مجتمعية كبيرة ومشاكل في سيادة القانون، هذه ظاهرة خطيرة بحاجة للتصدي لها.
ولفت إلى أن السلاح منتشر بكثافة داخل مناطق السيطرة الفلسطينية، ويتم استخدامه بشكل ظاهر من أشخاص محسوبين على "التنظيم"، وهذه إشكالية، وتم طرحها ومناقشتها مع رئيس الوزراء وهناك إدراك أن هذه الظاهرة موجودة ويجب التصدي لها.
وأضاف: ظاهرة تراخي المؤسسة الرسمية للتصدي للسلاح ما زالت موجودة، كما أن الاحتلال يتغاضى عن انتشار السلاح في المناطق الخاضعة لسيطرته ويوفر حماية لبعض الأشخاص المعروفين بتجارة السلاح واقتنائه والترويج له في المجتمع.
ومن اللافت أن مناطق مخيمات اللاجئين في الضفة تحوّل بعضها إلى ثكنات عسكرية مكتظة بالسلاح، ويعتبر دخولها من السلطة مغامرة غير محسوبة العواقب، الأمر الذي يجعل أجهزة الأمن تقتحمها بعشرات المركبات العسكريّة، فلا تستطيع أن تدخل وتخرج بحريّة لاعتقال من تشاء، لأنها ستكون في مواجهة المسلحين.
ويشمل السلاح الموجود في الضفة "فصائل- عائلات- مجموعات خارجة عن القانون" ولكن جميعها تجلب السلاح من عناصر وقيادات من الأجهزة الأمنية التي تعمل في تجارة السلاح أو تتعاون مع تجار السلاح والمهربين، بينما يغض الاحتلال الطرف عن هذا السلاح.
أما فيما يخص سلاح المقاومة في الضفة فهو ملاحق من (إسرائيل) والسلطة معاً، وفي حالة انحسار ويتم السيطرة عليه باستمرار، بينما سلاح الفوضى ومراكز القوى والعائلات فيغض الاحتلال عنه الطرف وجزء كبير من يخضع لخصوم ومؤيّدي عبّاس ترقباً لخلافته، لأنهم يخشون الصراع الداخلي بين الفلسطينيين، في حال أصبح موقع الرئيس عباس شاغراً، لأي سبب كان.
كما أنّ هناك استفادة ماليّة لبعض المسؤولين الفلسطينيّين بشراء السلاح، ومنح الغطاء لمن يحمله، فلا تلاحقه الأجهزة الأمنيّة".
وتأتي خطورة تزايد ظاهرة فوضى السلاح والجريمة وتكديس السلاح في الوقت الذي تحاول السلطة إعادة قبضتها الحديدية على الضفة، كما أن سيناريو الفوضى الذي تغذيه السلطة هو أحد أدواتها للسيطرة على المشهد الميداني بعد أزمتها الأخيرة.
وتؤدي الصراعات المتصاعدة بين تيارات عدة في السلطة إلى انتشار السلاح الذي أسفر عن تقسيمات مناطقيّة جغرافيّة ووقوع اشتباكات بينها في مدن ومخيّمات عدّة بالضفّة، وأظهرت الأجهزة الأمنيّة عجزاً أو تراخياً بسحب السلاح أو اعتقال مستخدميه.
من أهمّ أسباب انتشار السلاح في الضفّة، ارتفاع نسبة العنف المجتمعيّ، وتشجيع (إسرائيل) له طالما لا يوجّه ضدّها، وضعف دور السلطة وأجهزتها الأمنيّة، وتراجع ثقة الفلسطينيّين بها، وتنامي النزاعات العائليّة، وبروز قيادات محليّة على حساب السلطة، وزيادة ثقافة الفلسطينيّين بأخذ القانون باليدّ، وحلّ مشاكلهم بالقوّة المسلّحة، وتباطؤ الإجراءات القضائيّة.