لا تزال رهبة الثانوية العامة حاضرة بين الأجيال، لذا يعد يوم النتيجة حدثًا مميزًا مهما كانت النسبة. فالزغاريد والمهاهاة تدوي في كل البيوت الغزية، ويبقى الطالب قبل الإعلان بدقائق في حالة توتر إلى أن تصله رسالة نصية عبر هاتفه المحمول ليقفز فرحًا.
ما سبق عاشته الطالبة آية محمد أبو شمالة بطريقتها، فبمجرد أن علمت بنتيجتها 82% هرعت إلى صورة والدها الشهيد لتحتضنه وتبكي بشدة "رفعت رأسك يا بابا متل ما وعدتك".
التقت "الرسالة" الطالبة أبو شمالة لتصف فرحتها بالنجاح فقالت هي "كبيرة لكن منقوصة لغياب والدي الذي رحل دون حضور هذه المناسبة".
تحكي أبو شمالة وهي ابنة القيادي القسامي الذي اغتالته الطائرات الحربية خلال عدوان 2014، أنها منذ بداية العام الدراسي وضعت صورة والدها أمامها على المكتب، بحيث في حال تراجعت وتكاسلت عن مراجعة دروسها تنظر إليه وتتحمس لتكمل.
وتذكر "أية" أنها كثيرا ما كانت تشعر بوالدها قريبًا منها ويحثها على مواصلة الدراسة، مشيرة إلى أنها حرصت على التفوق ليبقى رأس والدها الشهيد مرفوعًا.
تقول: "حين استشهد والدي كنت في الصف السادس، وقبل استشهاده كان يعود للبيت متأخرا حسب طبيعة عمله ومع ذلك يصر على متابعة دروسنا ومساعدتنا حال استعصى علينا سؤال (..) دومًا يطلب دفاترنا ويسأل عن علاماتنا ويحفزنا".
وعن بكائها الشديد واحتضانها لصورته عند اعلان نتيجتها علقت: "كان نفسي يشاركني الفرحة (..) حسيت بدي يكون جنبي ومعي وأقبّل رأسه ويده كما يفعل بقية الطلبة الناجحين".
تصمت وتكمل: "العام الماضي دخلت الفرحة بيتنا لأول مرة بعد استشهاده حين تفوقت أختي ربا وحصلت على 92% من القسم العلمي".
وأشارت إلى أنه رغم الظروف التي مر بها طلبة الثانوية العامة بفعل جائحة كورونا وتلقي التعليم عن بعد ومن ثم العدوان الأخير على قطاع غزة، إلا أنها أصرت على التفوق دون التراجع أو التقديم في الدورة الثانية أو الثالثة.
وأوضحت أنها مع بداية العام الدراسي وضعت خطة لها وسارت عليها طيلة شهور الدراسة حتى جنت ما درسته.
وليلة النتيجة جهزت "آية" ملابسها واستعدت لانتظار النتيجة، بعد ليلة قضتها مع والدها في منامها وهو يهدئ من روعها ويقرأ القرآن عليها ويطمئنها مبتسمًا ويقول بحسب ما روته "تخافيش".
أما والدتها أم عبد الله، والتي تقوم بدور الأم والأب بعد استشهاد زوجها، ذكرت أن موقف إعلان النتيجة كان صعبًا عليها مرتين الأولى عند تفوق ابنتها الكبرى والثانية بنجاح "آية" لكنها حاولت أن تتماسك لتدخل الفرحة بيتهم.
وتوضح زوجة الشهيدة أنها تصر على متابعة أبنائها دراسيا للمحافظة على تاريخ والدهم النضالي، لذا حين يحاول أحدهم التراجع تذكره بتاريخ والدهم وكيف كان يحب العلم، فهي تزوجته حين كانت في السنة الجامعية الأولى وساعدها حتى حصلت على البكالوريوس.
ولم توقف الأم ابنتها "آية" حين انهارت أمام صورة والدها، وتعلق: "حاولت التخفيف عنها واحتضانها
أدرك حاجة الفتيات لوالدهن في هذه الأوقات".
رحل فقيد العائلة أبو شمالة وترك للأم ست بنات وولدًا تمنت أن يتفوق بقيتهم، بعد أن وضعت "ربا، وآية" على بداية سلم الحياة الجامعية.
وختمت قولها: "نجاح أبناء الشهداء انتصار على الألم والواقع، وتحدٍ لكل المعيقات".