تعكس الزيارات الدولية المتتابعة لرام الله وعلى رأسها زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية المركزية CIA ويليام بيرنز ومدير المخابرات البريطانية MI6، ريتشارد مور، للقاء رئيس السلطة محمود عباس، الجهود الدولية المكثفة لمحاولة تعزيز مكانة السلطة.
الأهم أن الزيارات تأتي أيضا كمحاولة إنقاذ وتقوية السلطة أمنياً في ظل حالة السخط الشعبي والاحتجاجات في الشارع الفلسطيني على الفساد والفلتان وظاهرة الاغتيال السياسي التي تمارسها أجهزة أمن السلطة، لا سيما بعد اغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات.
كما تعكس الزيارة مساعي الإدارة الأميركية الجديدة لدعم السلطة اقتصادياً إثر الأزمة التي طالتها عقب وقف الدعم الأميركي في وقت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى جانب تفشّي وباء كورونا، وحتى بعد اقتطاع الحكومة الإسرائيلية من أموال المقاصة.
وكان مسئول فلسطيني كشف عن أن زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى المنطقة تهدف بالدرجة الأولى إلى تقوية موقف السلطة وتعزيزها أمنياً إثر الهزات الشديدة التي تعرضت لها بعد العدوان على غزة وتورط عناصرها في جريمة اغتيال المعارض السياسي نزار بنات.
ونقلت صحيفة "جيروساليم بوست" العبرية، عن المسئول الذي أخفت هويته، قوله إن زيارة بيرنز تظهر أن إدارة بايدن جادة في إعادة علاقات واشنطن مع الفلسطينيين وتعزيز القيادة الفلسطينية في عهد الرئيس محمود عباس".
وذكر المسؤول للصحيفة العبرية أن "سياسة إدارة بايدن تجاه الفلسطينيين جيدة جدًا، واجتمع بيرنز في رام الله مع رئيس السلطة محمود عباس ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج"، حيث "ينظر العديد من الفلسطينيين إلى فرج ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ، على أنهما الحاكم الفعلي للسلطة الفلسطينية، ويقال إن الاثنين لهما تأثير كبير على عباس".
ولا يمكن إغفال أن هذه الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من الكشف عن تفاصيل وثيقة سرية، لاتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل، وقّعت بعد زيارة نائب هادي عمرو للمنطقة.
وبحسب ما كُشف فإن “الوثيقة وقعت يوم يوليو 2021″، وتفرض الإدارة الأمريكية من خلالها رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية، ومناهج التعليم، وإعادة تفعيل لجنة التحريض الثلاثية؛ الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية، وفق مواقع عربية وعبرية.
منع الانهيار
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم حبيب أن الزيارات المكوكية لرؤساء الأجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا؛ لم تأت عبثا وإنما جاءت لاستشعار خطر انهيار منظومة السلطة الفلسطينية على المستوى الشعبي والوطني.
ويؤكد حبيب في حديثه لـ"الرسالة" أن الزيارات تأتي في إطار إعادة تدعيم وجود السلطة كأحد أدوات المشروع الاستعماري في المنطقة وخدمة الأجندات الصهيونية والأمريكية.
ويبين أن الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا تتحدثان بشكل علني الآن عن دعم رئيس السلطة محمود عباس بوجوده بغض النظر عن قضية المشروعية والديمقراطية اللتين تتغنيا بهما؛ كونهما أدركتا أن أي انتخابات قادمة ستأتي بحماس على رأس السلطة وهو أمر غير مقبول بالنسبة لهما.
وعلى الجانب الأمني فإن حبيب يرى أن التنسيق الأمني مستمر، وتهدف الزيارة إلى تعزيزه وتقديم الدعم لأجهزة السلطة في مواجهة الشعب الذي بات يطالب برحيلها.
إلى جانب ما سبق، فإنها تأتي أيضا كمحاولة لتجميل السلطة أمام الشعب من خلال مكافحة الفساد داخلها عبر مراقبتها وتدقيق حساباتها من خلال شركات تدقيق أمريكية لإثبات أن أمريكا حريصة على النزاهة والشفافية داخل السلطة، على حد وصف حبيب.
ويشير حبيب إلى أن الوفود قد تناقش المناهج الفلسطينية ومحاولة إضفاء شرعية الاحتلال داخلها وتغيير بعض نصوصها، ما يؤشر الى خطورتها على المستوى الفلسطيني وتحاول استهداف المقاومة وتقويضها وتقوية السلطة خاصة بعد المعركة الأخيرة.
قيمة سياسية
فيما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي، أن هناك حراكاً دولياً تقوده الولايات المتحدة لإعادة احياء مسار التسوية، ومحاولات منع انهيار السلطة في ظل العديد من المؤشرات حول تراجع السلطة شعبياً وضعف مكانتها في الضفة.
ويضيف الرفاتي في حديثه لـ"الرسالة": تستمر محاولات إعطاء قيمة سياسية واقتصادية للسلطة من أمريكا، وهناك مخطط يتم الحديث عنه لتعزيز السلطة اقتصادياً في ظل أنها تعاني من وضع اقتصادي سيء بفعل إجراءات الاحتلال واقتطاع أموال المقاصة وتراجع الدعم الأمريكي منذ سنوات.
ويبين أن هناك حديثاً عن تعزيز الدعم لأجهزة السلطة الأمنية في ظل وجود مؤشرات عن إمكانية انهيارها في الضفة.
ويلفت الرفاتي إلى أن الحراك يأتي رغم أن حكومة دولة الاحتلال لا يوجد لديها نية بفتح ملفات سياسية مع السلطة، وإنما قصرها على المصالح الأمنية المشتركة بين السلطة والاحتلال فيما تعتبرها السلطة بوابة يمكن من خلالها النفاذ للجانب السياسي.
وينوه إلى أن هناك اندفاعاً كبيراً لدى السلطة من أجل الذهاب لمثل هذه الخطوات خاصة أنها تريد استعادة مكانتها كممثل للفلسطينيين، إلى جانب وجود أطراف داخل السلطة تحاول تسويق نفسها من خلال هذه العلاقات بديلاً عن عباس.
ويختم الرفاتي أن الزيارة حملت دلالات واضحة على من ترغب به الولايات المتحدة وهما ماجد فرج وحسين الشيخ، وهناك عملية لترتيب الأوضاع لمرحلة ما بعد عباس حتى لا تقع السلطة في يد حماس أو ترتهن لها كما حذرت بعض الأطراف في وقت سابق.