52 عاماً على نيران الأقصى التي تزداد اشتعالاً

الاقصى.jpeg
الاقصى.jpeg

الرسالة- رشا فرحات

تأتي الذكرى الثانية والخمسين على احتراق المصلى القبلي ومنبر صلاح الدين في المسجد الأقصى، على يد الأسترالي المتصهين مايكل روهان، الذي عومل لاحقاً معاملة المختل عقلياً كما يعامل أي إرهابي إسرائيلي في عُرف قضاء الاحتلال.

انطفأت تلك النيران، لكنها لا زالت تشتعلُ عاماً بعد عامٍ في قلوب المقدسيين، فاللهيب الذي يحرق، ليس لهيباً من نار فقط، وإنما يطاله المنعُ والاعتقالُ والإبعادُ عن الأقصى، وقمع المصلين، والاقتحامات التي تزداد يوماً بعد يوم في باحات الأقصى، بل وتحجيم ومحاربة دور الأوقاف، حتى يبدو الأقصى مهجوراً في أهم المناسبات الدينية.

في الأعوام التي تلت الحريق، شهد المسجد الأقصى الكثير من الاعتداءات، تمر بمرور الحدث، ودون أن يغير العالم شيئاً، لكن المقدسيين وحدهم من لا ينسون نيرانهم، فالمحترقً بها ليس كمن يراقب من بعيد.

في يوم حار من أيام حزيران عام 67، وبينما كانت آلة الحرب تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة، استفردت العنصرية الإسرائيلية بالمسجد الأقصى مجدداً، فدخل الجنرال موردخاي جور وجنوده المسجد الأقصى المبارك في اليوم الثالث من بداية حرب 67، رافعين العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة، ممزقين المصاحف ومحرقينها، قبل أن يمنعوا المصلين من الصلاة فيه وإغلاقه بالمفاتيح.

وفي يوم 28 يناير 1976، قررت المحكمة المركزية الإسرائيلية أن لليهود الحق في الصلاة داخل الأقصى، وبذلك بدأت صفحة اقتحامات جديدة للمسجد، فأعطى اليهود لأنفسهم حق الصلاة والعبث بمحتوياته متى شاءوا، ولكن في كل مرة يثور سكان الأقصى وأكنافه وحراسه في وجه المستوطن فيخرجوهم بالقوة وبدماء الشهداء، حتى لم تكتمل مرة من مرات الاقتحام الذي يتجدد كل أسبوع منذ ذلك الوقت.

لم تنته محاولات المحتل الخفية، حتى أتى يوم الثامن والعشرين من أغسطس آب لعام 1981 حينما كُشف عن أول نفق تحت المسجد الأقصى وتحديداً أسفل حائط البراق، وهو ما كان بداية لكشف العديد من الحفريات والأنفاق التي بدأها الاحتلال خفية، ثم أعلن عنها بكل وقاحة متلحفاً بصمت العالم العربي الذي لم يحرك ساكناً منذ تاريخ حرق الأقصى للمرة الأولى.

وفي نهار بارد من عام 1984 وتحديداً يوم السادس والعشرين من يناير دخل يهوديان مسلحان باحات الأقصى وهم يحملون كمية كبيرة من المتفجرات والقنابل بهدف نسف قبة الصخرة، وقد فشلت محاولتهما بعد تصدي أهالي الأقصى والمرابطين لهم.

وفي أيلول أسود من عام 2000 اقتحم ارئيل شارون باحات الأقصى ليدنسه، فكانت جريمته شرارة أولى لتفجير انتفاضة الأقصى، ثم خلفها عشرات الشهداء في اليوم التالي فكانت دماؤهم إشارة زكية تنبئ الاحتلال بأن للأقصى ثمناً غالياً جداً على أهالي القدس إن فكروا في تدنيسه.

في الواحد والعشرين من مايو 2016 كُشف النقاب عن حفريات سرية تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول وأسفل المسجد الأقصى.

وفي السادس عشر من أغسطس لنفس العام كشفت القناة الإسرائيلية الثانية في تقرير تلفزيوني عن خطة وضعتها منظمات وجمعيات إسرائيلية مدتها ثلاثة أعوام هدفها هدم المسجد الأقصى، وبناء "الهيكل المزعوم" على أنقاضه.

في العام 2019 ومع نهاية العام الثالث من تلك الخطة، لم يستطع الاحتلال حتى إيقاف شيء من ذلك الزحف المقدسي الذي يراهن على حياته إكراماً لبقاء الأقصى.

ولعل الحدث الأكثر بروزاً في الأعوام الأخيرة هو حدث البوابات حيث أنه في يوم 15 يوليو 2017 قررت سلطات الاحتلال نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى فأعلن المقدسيون كعادتهم رفضهم، بل وعبروا عن غضبهم الجارف باعتصام مفتوح أمام البوابات.

ولكن هذا العام، كانت نيرانه حارقة موجعة لأهالي القدس ومرابطي الأقصى. تفجرت الأحداث مساء يوم جمعة الوداع في 7 مايو 2021 بعدما اقتحم آلاف من جنود الشرطة الإسرائيلية -في عمليةٍ استفزازيةٍ- باحات المسجد الأقصى واعتدوا على المصلين ما أسفر عن إصابة أكثر من 205 مدنيين فلسطينيين في المسجد الأقصى وباب العامود والشيخ جراح، انتهت كل تلك النيران باشتعال النيران في غزة.

وستظل النار الأكثر إحراقاً في تاريخ المقدسيين هو إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو ما أعطى الاحتلال الضوء الأخضر لمزيد من الحرق، حتى أن الاقتحامات والاعتقالات في صفوف المرابطين قد زادت لستة أضعافها منذ الاعتراف الذي تم في 2017، ولكن العواصم تعرف أصحابها، فلو كانت تنقل ملكيتها بورقة وقلم لنقلت ملكية القدس لغير أهلها.

البث المباشر