"بدأنا موسم الرطب العجاوي، رطب أريحا المروي من نبع العوجة" هذا الصوت لإبراهيم نواهضة "أبو العز" 56 عامًا، يصلنا عبر مقطع فيديو له، حيث تصطف أمامه صناديق التمر بخشوع قبل أن يبدأ بالرد على التهاني التي تصله من الأصدقاء بالحرية!
بهمة واضحة يسرد التفاصيل الخاصة بنقاط البيع لمنتجات التمر والرطب، كان مفعمًا بالحياة والأمل رغم عودته قبل أيام من اعتقال إداري دام ثمانية أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
نعود لنبرة صوت قديمة لأبو العز قبل الاعتقال بعام حين أخبر "الرسالة" بأن لقمة الحلال صعبة، لكنها شهية، ثم اتصال هاتفي جديد بعد الإفراج عنه والعودة للعمل ليقول لنا "الفلسطيني عايش بنفسية التحدي والعنفوان، صعب ينكسر لأنه أقوى من حجر الصوان".
بواكير وشغف!
من فورة سجن النقب إلى "بواكير الثمار تطيل الأعمار" عبارة يرفقها أبو العز بين صور لتمور الموسم الحالي التي شاركها عبر حسابه على الفيس بوك، يحاول المواصلة بذات الشغف مؤكدًا بأن الحياة بحاجة للكفاح والمواصلة رغم القهر الذي يراه الفلسطيني.
استأنست الهموم ببعضها في حياة أبو العز، فبدأت أجهزة السلطة الأمنية ملاحقته واعتقاله إلى قطع راتبه كأسير محرر عام 2007، حتى وصل به الحال لبيع التمور على الرصيف.
ابن قرية اليامون قضاء جنين أصر أن يعود لعمله فور خروجه من المعتقل، هذا الفعل مقاومة كذلك، العرق مقاومة، والعمل مقاومة، وسعي أبو العز مقاومة، تصلنا عزته عبر أسلاك الهاتف: "حتى ونحن في المعتقل لنا رسالة صبر وثبات، وفي خارج المعتقل نعود للحياة والعمل والعطاء وهي أكبر رسالة بأننا نحب الحياة والمقاومة معًا".
الجدير ذكره أن أبو العز أمضى في سجون الاحتلال عشر سنوات فضلا عما قضاه في سجون السلطة، وكان قد صدر بحقه اعتقال إداري قبل ثمانية أشهر، أما عن راتبه فقطعته السلطة منذ عام 2007.
لم أندم!
يطل علينا من جديد، ينقل صناديق التمر بحرص حتى يعرضها للمارة على الرصيف، مؤمن هو بأن الله اختاره لدرب المقاومة، تلقائيًا تشعر برضاه، لاسيما عندما قال لنا: "أمضيت عشر سنوات ولم أندم لحظة واحدة على هذا الأمر، دفعت ضريبة الوطن والدين بنفس راضية بقضاء الله".
أبو العز يرى أن غزة أعطت نموذجًا فريدًا في قدرتها على استمرارية الحياة فيها رغم الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر عليها وأنه جزء من هذا الشعب القادر على التمرد على ظروف الاعتقال والملاحقة وقطع الراتب كذلك.
يعود إلى ذاك القلق الشديد الذي كان ينتابه خلال أشهر اعتقاله الأخيرة في سجن النقب، مغيب هو عن عائلته المكونة من 13 فردًا، الكثير من الخوف على والدته المريضة وشقيقته اللتين كان بالنسبة لهما السند والمعيل الوحيد.
تنهيدة صغيرة قال بعدها: "اعتقال إداري ظالم دون سبب، بالتزامن مع ظروف عائلتي الاقتصادية الصعبة، عوامل مجتمعة أتعبت نفسيتي داخل المعتقل، ولكنني في كل مرة كنت أتذكر فيها بأننا أصحاب رسالة اختارنا الله وعلينا الثبات".
بنفسية معطاءة يرفق صورًا جديدة تصلنا عبر حسابه على الفيس بوك، لديه طريقة خاصة لجذب المشتري، يصلنا حوار مع أحدهم أثناء حوارنا معه، نستأذنه بإنهاء الاتصال ليتسنى له البيع، يختم حديثه "نحب الحياة، نحن شعب معطاء، مكافح، لا نحب الاتكالية أو الذل".