لا أحد ينكر أن وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه فجر الجمعة 21 مايو 2021 يشهد حالة من الرخاوة السياسية والهشاشة الأمنية. فقد تم وقف العمليات العسكرية كافة بناء على ضمانات من الوسطاء الإقليميين والدوليين لإيجاد طرق ووسائل تعيد الوضع الأمني إلى ما قبل 10 مايو أي إلى ما قبل معركة سيف القدس. والكل يشهد أن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها قد التزمت بتعهداتها وأوقفت قصفها لمواقع العدو الإسرائيلي، بينما كسر العدو الإسرائيلي قواعد وقف إطلاق النار عدة مرات حتى اليوم.
ومع استمرار تعطيل العدو الإسرائيلي لتفاهمات 2018 ومنع إدخال المنحة القطرية وتعطيل إدخال المواد الأساسية للإعمار بشكل يتناسب مع ما قبل معركة سيف القدس؛ فإن المقاومة ملزمة بالوفاء لشعبها بالبحث عن أفضل الطرق التي تجبر العدو على الإلتزام، وعليها أن تتواصل مع جميع الوسطاء من أجل القيام بواجبهم لتسريع عملية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال، وتقديم المليارات التي تعهدت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودول عربية وإسلامية متعددة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وتعويض المتضررين.
وكما استطاعت المقاومة أن تجبر الاحتلال الإسرائيلي على القبول بإدخال أموال المنحة القطرية عبر حقائب يحملها ضباط المخابرات الإسرائيلية منذ عام 2018م، فإنها قادرة بمزيد من الضغط الأمني والسياسة أن تجبره مرة أخرى على فعل ما لا يرغب به، فالحكومة الإسرائيلية في أسوأ أحوالها. فلا يزال يتعاقب الوزراء وأعضاء الكنيست المشاركين في الإئتلاف الحكومة على التهديد بإسقاط الحكومة إذا خالفت جزء من بنود الاتفاق الحكومي المتناقض، والذي بالضرورة لا يتوافق مع وزير آخر أو كتلة برلمانية أخرى، فالوزراء والأحزاب كل منهم ينتمي إلى توجه سياسي يختلف مع الآخر أكثر مما يتفق.
فقبل ثلاثة أيام (22 أغسطس 2021) هددت الوزيرة إيليت شاكيد بإسقاط الحكومة في حال قام أعضاء اليسار في الحكومة -وتحديداً يائير لبيد “وزير الخارجية ورئيس الوزراء بالتناوب”- بطرح حل الدولتين خلال اللقاء المرتقب الخميس 26 أغسطس الحالي مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في واشنطن. وفي 8 أغسطس الحالي هدد حزب ميرتس اليساري والقائمة العربية الموحدة بالإنسحاب من الحكومة في حال خوض معركة عسكرية واسعة في الشمال أو الجنوب.
بالنسبة للشعب الفلسطيني؛ فإن خلافات الفرقاء الإسرائيليين ليست سوى إنعكاس لتناقضات صهيونية، لا يجب أن يدفع الفلسطينيون ثمن استمرارها أو ضريبة حلها. فقطاع غزة لن يعاني وحده نتيجة تعطيل الإعمار وتراجع الحكومة الحالية عن تفاهمات الحكومات التي سبقتها. وبالتأكيد لن تبقى تنتظر الموت البطئ تحت الحصار واستمرار تردد الحكومة الإسرائيلية الضعيفة. كما أنه من غير المقبول أن لا يجد العالم حلولاً لتنفيذ التفاهات وإعادة الإعمار، فمن اتخذ قرار الحصار على غزة عليه أن يتحمل تبعة استمراره، ومن تعهد بضمان عدم التصعيد عليه أن يلتزم بتعهداته.
إن الحالة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة لم تعد تحتمل أكثر من ثلاثة أشهر للبدء بالإعمار، وتعويض آلاف الأسر التي خسرت بيوتها وممتلكاتها نتيجة القصف الإسرائيلي. كما أن إعادة الحياة إلى غزة من خلال ترميم البنية التحتية والاقتصادية التي تضررت بشكل بليغ خلال العدوان، هو أقل ما يمكن أن تدفعه إسرائيل وحلفائها الدوليين من أجل استمرار حالة الهدوء وتثبيت وقف إطلاق النار الهش. وغير ذلك فلا أحد يمكنه لوم شعب ينتظره الموت إما ببطء نتيجة الحصار أو بسرعة نتيجة القصف الإسرائيلي. وما شهدته فعاليات إحياء الذكرى 52 لجريمة إحراق المسجد الأقصى بداية لمسار طويل من الفعاليات الشعبية التي تعبر عن قرار وطني بأن غزة لن تعاني وحدها، وبالتالي فإن خيارات المقاومة الفلسطينية مفتوحة عسكرياً ومدعومة شعبياً.