قائمة الموقع

مقال: (التعنت في الحوار لإبقاء الحصار وتعطيل الإعمار خدمة للأشرار)

2009-08-03T09:12:00+03:00
الدكتور يونس الاسطل احد قادة حماس

}وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{

(الأنفال:32)

 

 

كان مأمولاً في الجولة السادسة من الحوار أو المفاوضات في القاهرة أن تصل إلى اتفاق, وأضعفُ الإيمان أن تكون أفضل من سابقاتها, فإذا بها تردم ما تَمَّ حراثته, أو تهدم ما تَمَّ بناؤه, فقد تراجع وَفْدُ فتح عن كثير مما جرى تثبيته والاتفاق عليه, وهذا ليس غريباً في عُرْفهم, فقد كانوا يوافقون على بعض البنود وجه النهار, ويجحدونها آخره لعلهم يغلبون.

ومن المعلوم أن الجولة الأخيرة كانت مُكَرَّسةً لملف المعتقلين, بحيث يتوقف الاعتقال السياسي, ويجري إطلاق سراح أكثر المخطوفين, ومن تَعَسَّرَ فكاكه تجري دراسة ملفاتهم بحيث لا يمضي شهران إلا وأُطلق سراحهم أجمعين, وعلى الرغم من الجولة المصرية بين دمشق ورام الله من أجل لحلحة التصلب والجمود؛ غير أن التراجع عن الاتفاق هو سيد الموقف, فلا الملاحقة توقفتْ, ولا المخطوفون قد جرى تسريح أكثرهم, ولا أُحْضِرتْ قوائم لمن يزعمون صعوبة إفلاتهم, وقد فاق عدد المعتقلين عندهم إحدى عشرة مائة, والأدهى من ذلك أن ينفوا وجود معتقلين سياسيين, إنما أولئك سجناء أمنيون كما يزعمون, مع أن أَيَّاً منهم لم يثبت أنه قام بأيِّ عمل يمسُّ أحداً من أزلام السلطة, فالمقصود إذاً أنهم يُهَدِّدون أمن الاحتلال, ولما كانت حكومة فياض, وسلطة أبي مازن, قد تعهدت بأمن الاحتلال, واستئصال ما يزعجه, فقد أقدمت على اعتقال ألفٍ أو يزيدون؛ لينام المستوطنون وهم آمنون, بل ليسرحوا ويمرحوا ويتقلبوا في البلاد, ويعيثوا فيها الفساد, دون مقاومة أو جهاد.

وقد ذهب المحللون في تأويل ذلك التعنت إلى احتمال رغبة الجميع في حركة فتح أن يذهبوا إلى مؤتمرهم السادس وهم صقور, لم  يتنازلوا لحماس؛ تطلعاً إلى الفوز بمقاعد القيادة, لمزيد من الامتيازات, أو ليكونوا أكثر شجاعة في إبرام الاتفاقات مع الصهاينة, خاصة وأننا نشهد نشاطاً محموماً في تكريس يهودية الدولة, وإلغاء الثوابت الفلسطينية على طريق تصفية القضية بالكلية.

بينما يرى آخرون أن هدف التعنت هو تقطيع الوقت شهراً بعد شهر وصولاً إلى الخامس والعشرين من كانون الثاني القادم, موعد انتهاء الشرعية الانتخابية لحركة حماس, والوضع على حاله من الحصار, والعجز عن الإعمار, حتى يذهب الناس إلى الصناديق ولا زالوا ضائقين ذرعاً بوجود حماس في المشهد السياسي, بما يسمى بِكَيِّ الوعي, فيقال لهم: إذا عدتم لانتخاب حماس بقي الحال على شاكلته, وإذا رغبتم في الخروج من الكرب فعودوا إلى حضن حركة فتح, وإذا صَحَّ هذا التحليل تكون حركة فتح قد رهبنت آلام الناس بالحصار وعدم إعادة الإعمار لمصلحة ذاتية, وإن الله لا يصلح عمل المفسدين, كما لا يهدي كيد الخائنين.

أما آية المقال فتتحدث عن عناد قريش وكبريائها وجحودها, حتى إنهم ليؤثرون الهلاك بأبشع الطرق على الإيمان بالله, والإقرار بالحق الذي يُدْعَون إليه, ولو كانوا يعقلون شيئاً أو يعلمون لقالوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فَاهْدِنا إليه, إذْ هذا هو المنطق.

روي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لقي رجلاً من سبأٍ, فقال له: ما أجهل قومك حين مَلَّكوا عليهم امرأة, فقال السبئيُّ: أجهل منهم قومك حين قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم, فسكت معاوية, ولم يَرُدَّ جواباً.

إن قريشاً قد استعجلوا بالسيئة قبل الحسنة, وقد خَلَتْ من قبلهم المَثُلات, وقالوا: ربنا عَجِّلْ لنا قِطَّنا قبل يوم الحساب, وسأل سائل منهم بعذاب واقع, ماله من دافع, من الله ذي المعارج, لذلك قال مولانا عز وجل:" وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ " العنكبوت (53 , 54).

وقال كذلك عنهم:" وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ... " هود (8).

وقد يستغرب بعض الناس أن تمطر السماء حجارة, كما يطلبون ظُلْماً وعُلُوّاً, ولكن الاستهجان يزول حين نعلم أن قرى قوم لوط قد جعل الله عاليها سافلها, وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود, مسومة عند ربك, وما هي من الظالمين ببعيد, كما في سورة هود (83 ، 82).

والسؤال هنا: لماذا لم يستجبْ ربُّنا جل جلاله لسؤال قريش حجارةً مطراً من السماء؟ والجواب في الآيات التي تلي تلك الآية:" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " (34 ، 33).

وقد أخبر أنهم جديرون بالعذاب لأنهم يصدون عن المسجد الحرام, كما فعلوا يوم الحديبية, فهم شبيهون بمن يغلق المعابر, ويفرض الحصار, كما أنهم يغتصبون شرعية الولاية على الحرم, فما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر, إنما هم نَجَسٌ, فحقهم ألَّا يقربوا المسجد الحرام بتاتاً, ولولا أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم مقيم فيهم يدعوهم إلى الله على بصيرة, ولم ييأس من إيمانهم بعد, أو أن يخرج الله من أصلابهم من يحمل لواء العبادة والدعوة, كما أنه لا يهلكهم وفيهم مستغفرون, وهم الصحابة الذين لم يهاجروا بعد, فلما تَزَيَّلوا بالهجرة, ولم يَعُدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم أخذتهم البطشة الكبرى يوم بدر, وأَحَلّهم دار البوار.

إن قريشاً قد حسمت أمرها حين قالوا: لن نؤمن بهذا القرآن, ولا بالذي بين يديه, وحين تواصوا أن لا تسمعوا لهذا القرآن, وَالْغَوْا فيه؛ لعلكم تغلبون, وكانوا عن التذكرة معرضين, كأنهم حُمُرٌ مُسْتَنفِرة, فَرَّتْ من قَسْوَرَةٍ, بل كانوا إذا تُتْلى عليهم آياتنا بيناتٍ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر, يكادون يَسْطون بالذين يتلون عليهم آياتنا, فقد أخذتهم العزة بالإثم, وتعللوا بأننا إن نتبع الهدى معك نُتَخَطَّفْ من أرضنا.

إن ما نراه من تعنتٍ في الملفات الخمسة المطروحة, ومن تراجعٍ عما جرى إنضاجه, لا يبعد كثيراً عن صورة العرب الأولى, فقد رأى زعماء قريش في دعوة الإسلام خطراً على مكاسبهم ومناصبهم, فقالوا شططاً, وأجلبوا على المؤمنين بخيلهم وَرَجِلِهم, واليوم ترى حركة فتح في الإسلام الزاحف على الشعب الفلسطيني, وفي الصحوة الدينية العارمة, خطراً على حظوظها التي استأثرت بها أربعين سنة, فلم يكن سهلاً على نفوسهم أن يقفوا في المعارضة, وأن يفقدوا نفوذهم في المال والإدارة والسياسة, ولكنها الأيام يداولها الله بين الناس, ومآل الشيخوخة والأمراض إلى الفناء الحتمي.

 

ولن تجد لسنة الله تبديلا

 

د. يونس الأسطل

 

 

اخبار ذات صلة