قائد الطوفان قائد الطوفان

في شرائع المحتل.. حينما يكون حقك في الدفن محرماً

ارشيفية
ارشيفية

الرسالة نت-رشا فرحات

هل سمعت عن شعب يحيي ذكرى خاصة لاستعادة الجثامين؟! أول سؤال سيخطر ببالك إذا لم تكن فلسطينياً، ولا تعلم أبعاداً للقضية، أين يمكن للجاثمين أن تكون لنستعيدها؟!

نحن الفلسطينيين، لدينا يوم خاص لذلك، ليس احتفالاً، إنه يوم لإعادة فتح جرح غائر!

الثامن والعشرين من أغسطس من كل عام، يوم للفلسطيني وحده، أطلق عليه اسم غريب، وربما يراه العالم هكذا" اليوم العالمي لاسترداد الجثامين" هل سمعت عن ميت مُنع من الدفن؟!

يمنع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من الدفن، يصادر الجندي المحتل جثة الميت بعد قتله، ويمنع أمه وأباه من رؤيته، ويدفن في قبر يوضع على شاهده رقم بدلاً من اسم الميت، وهكذا أصبح لدى الاحتلال مقبرة خاصة اسمها مقبرة الأرقام، لا يعرف مكانها أحد.

ثلاجات أيضاً

وإلى جانب المقبرة مجهولة العنوان، هناك ثلاجات أيضاً، لا يُعرف طريقها، يصادر الاحتلال فيها جثامين القتلى، ويعيدونها بعد أشهر، بعد عام، وربما لا يعيدونها! ليست هناك معايير لإعادة أي جثمان.

وحينما يعود الجثمان، يكون قطعة من الجليد، لا تصلح للاحتضان، فلا يمكن لوالديه بأن يضما يداً مجمدة في الكف المثقل.

ومن اللافت أن إعادة الجثمان ليست بالمهمة السهلة فهي تحتاج محامياً وقضية ترفع لدى محكمة الاحتلال والذي يمثل الحاكم والجلاد في ذات الوقت.

هناك في الأمكنة المجهولة والتي يعرف الاحتلال وحده طريقها، 260 جثة بين فلسطيني وعربي، مصادرة أسمائهم في قوانين الغياب، جثثهم لا زالت مجمدة في الثلاجة ومكتملة في قبر بارد تمد يدها من تحت التراب لجثة راقدة إلى جانبها، تشد الأصابع على الأكف، حتى اكتملت المقبرة، مقبرة الأرقام.

وكل تلك البيانات والحملات لا تكفي أمام صوت أم تريد أن يعود إليها جثمان ابنها، فأم عبد الحميد سرور المصادر جثمانه منذ ست سنوات تعرف أين دفن ابنها، فهو صاحب القبر رقم 141 وفي مقبرة ضمن منطقة عسكرية في صفد اسمها "عامي عاد" يوجد ابنها هناك في السطر رقم 12، وهي تريد أن يعود وتدفنه في بيت لحم.

وتخاف السيدة سرور من كل الإجراءات وتتساءل: لماذا يحتجز جثمان ابني؟!، أريد أن أتأكد وأحلل وأتيقن أن ذلك المدفون هناك هو ابني، لا أريد ان أتفاجأ مثلما تفاجأ أهالي الشهيدة دلال المغربي وبعد تحليلهم DNA   بأن هذا الجثمان ليس هو جثمان ابنتهم.

لمن هذا الجثمان؟

على صفحة والد الشهيد بهاء عليان المحامي محمد عليان الناشط في قضية استعادة الجثامين قائمة ب 82 اسماً لشهداء لم يعودوا حتى الآن منهم 22 شهيداً من غزة، 16 منهم شهداء مسيرات العودة.

يقول أبو البهاء إن هذا الملف معقد لأبعد حد وبأن الكثير من الأسماء ضاعت، ما قبل بداية الحملة التي بدأت فعلياً بالتأثير دولياً قبل عشرة أعوام.

في الماضي ووفقا لعليان، كانت شركات التأمين هي التي تتكفل بدفن الشهداء، وحينما أفلست تبين أنها لا تمتلك أي أوراق تثبت أماكن الدفن ولا أصحاب القبور ولا حتى أرقامها، فتاهت الكثير من الجثامين دون اسم أو هوية، وهذا ما حدث مع عائلة الشهيدة دلال المغربي.

أثيرت قضايا الجثامين دولياً، ووصلت لمحكمة العدل الدولية فتولت المحكمة الإسرائيلية أمر الدفن والتوثيق، حيث سمحت المحكمة بإعطاء رقم وعنوان واضح للقبر، ودفنه في تابوت معدني حتى لا يتأثر بعوامل الجو المختلفة، والاحتفاظ لديها بعينةDNA  لتحليلها في حال حكمت المحكمة بعودة الجثمان لعائلته!!

أعوام طويلة

أعوام طويلة من العمل قضتها مؤسسة القدس للمساعدات القانونية في حملة إعادة جثامين الشهداء، بدأتها منذ عام 2009 كما يقول مدير المركز عصام عاروري.

ويلفت عاروري إلى أنه في العام 2014 حققت الحملة العديد من الإنجازات في الملف، كان أبرزها انتزاع قرار من المحكمة الاسرائيلية العليا يلزم قيادة الجيش الاسرائيلي بتسليم 38 جثماناً لعائلاتهم بعد إجراء فحص الحمض النوويDNA  ومطابقتها للتأكد من هويات الجثامين.

ووفقا للعاروري، الذي أكد كلام عليان، فإن ردود الجيش على المراسلات القانونية أكدت بأن ما تبقى في مقبرة الأرقام التي تشرف عليها هو 119 جثمانا فقط، فيما تؤكد وثائق الحملة بأن ما تبقى هو 262 جثماناً بالإضافة الى 65 مفقوداً.

وهذا الفارق ترده الحملة إلى ما أوردته قيادة الجيش في ردودها على المراسلات بأن دفن بعض الجثامين قد تم على أيدي شركة دفن خاصة تدعىEIS  دون أن توثق المقابر التي تم الدفن فيها.

ورغم نية الاحتلال وفقاً لقرار من المجلس الوزاري المصغر الكبينت باحتجاز الجثامين لاستخدامها كورقة تفاوض في أي صفقة تبادل قادمة، خاصة شهداء حركة حماس، إلا أن هذه الحملة لا زالت في انتشار وتوسع.

ووصل التضامن هذا العام من المحلي إلى الدولي حيث تظاهر العشرات في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام مطالبين الإدارة الأميركية بالتدخل لوقف جرائم القتل الاسرائيلية المتصاعدة والعمل على إعادة جثامين الشهداء الذين تحتجزهم (إسرائيل).

وأوضحت صور المتضامنين وملابسهم الرمزية رسالة للعالم تؤكد حق الفلسطينيين في دفن الشهداء كحق شرعي وإنساني، حيث دفن الاحتلال 254 شهيدًا فلسطينيًا في مقابر إسرائيلية، و81 في “مشرحة الشرطة” و68 في عداد المفقودين.

العاروري مدير مركز القدس الذي يتولى قيادة معركة استرداد الجثامين يلفت إلى أن الملف "عالق حالياً وفقا لقرار الكابينت الإسرائيلي الذي يقضي بعدم تحرير أي جثامين، طالما هناك جنود محتجزين في غزة".

وبالفعل فقد قررت محكمة الاحتلال العليا قبل أيام عدم إعادة جثمان الشهيد أحمد عريقات إلى أسرته ليظل محتجزًا حتى إشعار آخر، دون توضيح أي سبب لهذا الرفض.

البث المباشر