قائد الطوفان قائد الطوفان

غزة .. "التسمم بالرصاص" يهدد المواطنين

 

مواطنون: لم نسمع بالمرض وإصابة أبنائنا شكل فاجعة

طبيب الصحة: إعادة تصنيع البطاريات من أكثر المسببات للمرض

"البيئة": نعاين الأماكن قبل منح التراخيص للورش ونحدد مدى الصلاحية

باحث مختص: وزارة الصحة تعتم على المرض وتقصر في علاجه

دراسات: حرب غزة تسببت في أمراض آنية ومستقبلية

الرسالة نت/شيماء مرزوق- لميس الهمص

مع اقتراب الذكرى الثانية لعدوان 2008-2009على غزة لازالت آثاره تتكشف على أجساد الغزيين ، ففي حين لم تسلم الأجنة في بطون أمهاتها من مخلفاته. أفاقت عائلات غزية على اصابة ابنائها بمرض يدعى "التسمم بالرصاص" والحديث على سكان القطاع رغم قدمه, إلا أن الإمكانات المحدودة جعلت الكشف عن نسب الإصابة بالمرض مجهولة, فتضاربت المعلومات حول نسبة المصابين به ومدى انتشاره.

اكتشاف متأخر

رغم عدم ظهور أعراض واضحة على طفل المواطنة ام البراء المصاب بالمرض والبالغ من العمر أربعة أعوام إلا انه كان يعاني من سخونة متكررة وهزال عام ووجع في المفاصل فتوقعت الأم أن يكون سببها التهابات في الكلى، ولكن اتصال وزارة الصحة على الأم لتبلغها أن ابنها مصاب بمرض يدعى " تسمم الرصاص" كان بمثابة فاجعة وقعت على عائلة الطفل .

 فالعائلة لم تسمع سابقا بالمرض ولم يتعرض ابنها لفحص الدم إلا منذ عامين عن طريق العربات الصحية المتنقلة.

وعلمت أم براء التي تسكن في مخيم النصيرات أنه يجب عليها متابعة الطبيب باستمرار وان سبب الإصابة هي تواجد ابنها باستمرار في محل عمه الذي يعمل على إعادة تصنيع بطاريات السيارات ، مبينة "للرسالة" أن الطبيب اخبرها أن صدأ المياه من الممكن أن يكون من المسببات للمرض.

الأم التي بدت تائهة وتبحث بين المواقع الطبية على مدى خطورة مرض ابنها اكتشفت أنه مرض خطير ويجب أن تتابع معه باستمرار عند الطبيب فالطفل أصبح عصبيا وأكثر عنفا من السابق.

الوالدة التي باتت تخضع ابنها لعناية خاصة،  تجهل الكثير عن المرض وتتساءل مستغربة لماذا الآن أخبرتنا وزارة الصحة بالمرض هل كانت أوراق ولدي ضائعة أم أن خروج نتيجة الفحص تحتاج لكل هذا الوقت, وذكرت أنها تلقت نبأ إصابة ابنها شفويا وليس لديها أي أوراق ثبوتية بذلك.

أما الطفلة علا حسن- 5 سنوات - من سكان شارع الكرامة اكتشف ذووها  اصابتها بالمرض عن طريق زيارة من مختصين في الطب الوقائي فتقول والدتها. كانت طفلتي تعاني كثيرا من ارتفاع درجة الحرارة حتى أن مستواها في الروضة تراجع فظننت أن ما كانت تعاني منه هو نوبات برد أو التهابات كما يعاني باقي الأطفال.

وتتابع : منذ شهر عرفنا أن ما تعاني منه هو مرض تسمم الرصاص بنسبة 50 % ، وكان بسبب محل عمها لتصليح بطاريات السيارات الذي أغلق المحل عند معرفته بانه السبب في مرض الطفلة.

وتخشى الأم التي يعاني جميع أطفالها من ازرقاق في اللثة والأسنان من أن يكون أبناؤها الآخرون يعانون من ذات المرض .

البطاريات أهم المسببات

التسمم بالرصاص هي حالة طبية ناتجة عن وجود مستويات مرتفعة من معدن الرصاص في الدم، وقد يؤدي إلى أضرار على عدة أجهزة عضوية مثل الجهاز العصبي، والهضمي، والتناسلي، وجهاز الدوران بالإضافة إلى مشاكل في الكلية.

ومن جانبه اعتبر د. محمد إبراهيم أبو الندى رئيس قسم أعصاب الأطفال بمستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي التخصصي مرض التسمم بالرصاص مرضا قديما اكتشف عام 1800 م في أمريكا وكندا واستراليا عندما كان الرصاص أحد مكونات الدهان.

وذكر أن الأطفال أقل من سن الثامنة أصيبوا بالمرض من خلال استنشاق مادة الدهان وغبارها ، علاوة على التسمم من خلال مواسير المياه القديمة ، لافتا إلى انه بعد ظهور تلك المشاكل ظهرت القوانين التي تحد من استخدام الرصاص في المواد المستخدمة بشكل يومي عندها قلت نسبة الإصابات من 85% إلى 3%.

وأوضح الدكتور أبو الندى أن المرض ينتج عنه فقر دم وقصر في الطول ونقصان الوزن ، بالإضافة لعدم التركيز ، مبينا أن الرصاص يدخل في 500 من الصناعات لذلك وضعت أمريكا وشرق أسيا قوانين تحد من استخدامه في الصناعات .

وبحسب رئيس قسم أعصاب الأطفال فإن الرصاص يدخل في منتجات البترول ، بالإضافة إلى  أن إعادة تصنيع البطاريات تعد من أكثر المسببات للإصابة بالمرض، مشيرا إلى أن ملامسة الأثقال التي يستخدمها الصيادون في الصيد المصنعة يدويا من الرصاص تسبب الإصابة بالمرض.

ووافقه الرأي م. عوني نعيم مدير عام الحماية في سلطة جودة البيئة، موضحاً أن أهم مسببات المرض هي مصانع البطاريات وما ينتج عنها من مخلفات ضارة, ومحطات الوقود حيث أن البنزين يحتوي على نسبة عالية من الرصاص وخاصة البنزين المصري الذي انتشر بشكل كبير في قطاع غزة مؤخراً والذي يحتوي على نسبة رصاص أعلى من التي يحتويها البنزين المستورد من إسرائيل, بالإضافة إلي القذائف والصواريخ بأنواعها التي يستخدمها الاحتلال في هجماته ضد القطاع.

يصعب اكتشافه

ويعد مرض التسمم بالرصاص كما يراه الطبيب أبو ندى من الأمراض التي يصعب على الأهل اكتشافها لكنه يعرف إذا ظهرت بعض أعراضه على الطفل القاطن في مكان قريب من مصانع تصنيع البطاريات أو احد مسببات المرض.

ويشير د. أبو الندى أن الإصابة الحادة بالمرض تسبب مغص شديد ويفقد معها الطفل الوعي والتركيز وقد تصل إلى مشاكل بالكلى ، منوها إلى أن الإصابات المزمنة تسبب آلاما في المفاصل من ترسب الرصاص فيها بالإضافة إلى تشنجات.

وبين أنه عند تشخيص المرض بمعرفة نسبة الرصاص في البول يتم علاجه بالأدوية ، لافتا إلى أن اكتشاف المرض في العالم لا يعد عسيرا لوجود الجهاز الخاص به.

وحول إذا ما كانت المولدات المنزلية من الأسباب المؤدية للمرض قال : البنزين المستخدم في المولدات مجهول التركيبة كونه يأتي عبر الأنفاق فلو كان يحتوي على الرصاص وتم استنشاقه بشكل دائم يسبب المرض.

وطالب الدكتور أبو الندى عدم إعادة تصنيع بطاريات السيارات بشكل فردي وبطريقة خاطئة كونها المسبب الرئيس للمرض.

ولم يستبعد أن تكون الحرب الأخيرة على غزة من مسبباته ، مبينا أن الكم الكبير من القذائف التي استخدمت خلال الحرب لم تخل من الرصاص إلا أن غياب الدراسات تحول دون التأكد من ذلك .

مؤسسات حقوقية أكدت وجود أبعاد وتداعيات بيئية وصحية آنية ومستقبلية خطيرة وراء استخدام الجيش "الإسرائيلي" للمواد السامة في حربه على غزة.

و بسبب تلك الآثار ما زالت صحة مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع معرضة للتأثر بها في أية لحظة، إضافة إلى تلوث جميع مكونات البيئة الأساسية التي تعاني تدهورا خطيرا ، جراء بقاء هذه الـمواد في تربة وهواء القطاع واستنشاق الـمواطنين لها بشكل يومي.

ويبقى احتمال دخول السموم إلى أجساد السكان واردا في أية لحظة عن طريق السلسلة الغذائية، بعد تناولهم الـمزروعات التي من الـممكن أن تكون قد تلوثت بتلك الـمواد، الأمر الذي ينتهك أهم الحقوق الإنسانية للـمواطنين كالحق في الحياة، والحق في الصحة، وحق العيش في بيئة صحية ونظيفة.

الجهل بأسبابه

وأما عن دور سلطة البيئة في إبعاد الورش والمصانع عن المناطق السكنية, قال: م. نعيم أن سلطته لا تمنح التراخيص, وإنما الجهات المخولة بإعطاء التراخيص هي البلدية أو وزارة الاقتصاد أو كليهما معاً.

ويتابع: يتم تحويل نسخة من طلب الرخصة للبيئة لإبداء الرأي وفي هذه الحالة يزور الطاقم الفني الموقع قبل الإنشاء وتحديد مدى الصلاحية وإذا كان تم إنشاؤه من قبل يتم إعطاء المواصفات والمعايير البيئية المحددة.

واعتبر العاملين في المصانع والورش حاملين وناقلين للتسمم والمرض, حيث أن الرصاص المتطاير من الآلات والبطاريات يتم استنشاقه عن طريق الأنف ويلتصق بملابسهم وينتشر معهم في كل مكان يذهبون إليه وهم مرتدين ثياب العمل ويتطاير مع الهواء والغبار ليصيب كل من يقترب منهم ويدخل عبر الجهاز التنفسي إلي جسم الإنسان ويصيب الدم.

وأوضح نعيم أن مرض  التسمم بالرصاص لا يرقى إلى ظاهرة . ولكن هناك تخوفا من انتشار محطات الوقود العشوائية والوقود مجهول التركيب وانتشار مصانع البطاريات العشوائية والتي تعتبر احد المسببات الكبرى للمرض.

وأشار نعيم إلى أن الوزارة ليست لديها إمكانية تحديد ما إذا كانت الحرب الأخيرة على غزة لها علاقة بتسمم الرصاص أم لا, ولكن هناك أبحاثا أجرتها مختبرات مستقلة تؤكد بان القذائف التي أطلقت كانت تحوي نسبا عالية من الرصاص.

ولفت انه في حالة إثبات أن هناك ورشة آو مصنع يسبب تلوث الرصاص الذي يؤدي للتسمم فان سلطة البيئة دورها رقابي إشرافي ومهامها هي وضع التقارير التي تثبت أن هذا المكان مسبب لتلوث, وبالتالي فإنها تبلغ الجهات المانحة للتراخيص لتزيل هذه الورشة, وإذا لم تزلها فان سلطة البيئة تبلغ  النائب العام ليتخذ الإجراءات القانونية اللازمة.

الصحة مقصرة

من ناحيته أوضح الدكتور ماجد ياسين أستاذ علم وظائف الأعضاء بكلية الطب بالجامعة الإسلامية والباحث في المرض أن مرض تسمم الرصاص منتشر وموزع على عدة مناطق في قطاع غزة.

وشدد على أن حرب الفرقان ليس لها علاقة بالمرض, كونه لم يظهر بعد الحرب وإنما كان موجودا منذ فترة طويلة ولكن بنسب قليلة, إلا أن بعض مخلفات الحرب تحتوي على نسب من الرصاص.

وعن إمكانية علاج المرض شدد على أن أهم علاج هو إبعاد المصاب عن مصدر التلوث, وقال "يوجد علاج كيميائي فعال جدا ويقضي على المرض بدون مضاعفات جانبية إلا انه باهظ الثمن وقد تصل تكلفة علاج الطفل الواحد إلى ألفي دولار وغير متوفر في القطاع, بل يوجد بكثرة في "إسرائيل" و مصر".

كما أكد د.ياسين على انه يمكن معالجة الرصاص عن طريق أقراص الثوم والتي ثبت أنها تخفض نسبة الرصاص في الدم من 30 إلى 40% ، معتبرا أن المرض خطير بالرغم ان حالات قليلة منه انتهت بالوفاة, موضحاً انه كلما ارتفعت نسبة الرصاص في الدم كلما زادت الخطورة.

وذكر أن نسبة الرصاص اذا قلت عن 10 ميكرو جرام لكل ملم من الدم لا تشكل أية خطورة على الإنسان وكلما ارتفعت يزداد الخطر.

وأما مدى انتشار المرض في قطاع غزة فقد أشار إلى عدم وجود دراسات أو إحصائيات حوله إلا انه توقع أن يصيب المرض كل المواطنين الذين يسكنون في المناطق الملوثة, لافتا إلى أن النسبة لن تكون كبيرة.

واتهم د.ياسين وزارة الصحة بالتقصير والتعتيم على مرض التسمم بالرصاص نظرا لأنه لا يوجد لديها إمكانية لإجراء فحوصات للمواطنين لتحديد من هم المصابين, وعزا ذلك إلى وجود جهاز فحص الرصاص لدى الوزارة ولكنه ينقصه "الكيت" وهو المادة الإشعاعية التي يتم وضعها في الجهاز لتحديد نسبة الرصاص في الدم ويبلغ سعره 400$.

وأشار إلى أن تكلفه الفحص للشخص الواحد هي 50$ وهي تكلفة مرتفعه نسبياً وعلى الوزارة

أن تدعمها لتخفيض السعر حتى يصبح في متناول جميع المواطنين.

ولفت  إلى أن بعض المراكز الخاصة في القطاع تحضر هذه المادة وبإمكان الوزارة أن تحصل عليها بسهولة, بالإضافة إلى إمكانية الفحص عن طريق جهاز أخر وهو جهاز المطياف الذري والمتوفر  في الجامعات بغزة.

وشدد على ضرورة التنسيق بين وزارة الصحة وسلطة البيئة والجامعات لمحاصرة المرض والقضاء عليه من خلال إزالة مصادر التلوث وإبعادها عن المناطق السكنية, بالإضافة إلى زيادة الوعي البيئي لدى المواطنين والعاملين في ورش البطاريات.

وتحدث دراسات عن الآثار التى تركتها الحرب على النفايات الصلبة وسبل التخلص منها بشكل سليم، حيث لم تتمكن الجهات المسئولة من التخلص من النفايات الصلبة ونقلها إلى المكب الرئيس الموجود شرق مدينة غزة؛ مما أدى إلى مشاكل صحية وبيئية وانبعاث الغازات السامة والروائح الكريهة.

 كما ذكرت عن خطورة النفايات الإنشائية التي خلفتها الحرب وأحجامها المضاعفة عن النفايات الصلبة الأخرى؛ حيث إن معظم البيوت التي دمرت أصبحت عبئا على البيئة، إذ قدرت نسبة النفايات الإنشائية حسب وزارة الأشغال العامة مليون طن.

ما أن انتهت الحرب على غزة وبدأ المواطنون بالتقاط أنفاسهم ونسيان الرصاص المصبوب حتى ظهر لهم الرصاص المسموم, ليفتح الباب أمام التساؤلات حول مدى انتشاره في قطاع غزة ليبقى التعتيم سيد الموقف.

 

 

 

 

 

 

 

 

البث المباشر