"إذا أردت أن تدفن قضية فشكل لها لجنة"، مبدأ بريطاني امتهنته السلطة الفلسطينية على أكمل وجه، فليس ثمة قضية أثارت رأي عام ساخط في الضفة المحتلة، إلا وبادرت السلطة للإعلان عن تشكيل لجنة لها!
تنوعت الأغراض التي لأجلها جرى تشكيل لجان تحقيق، فتارة لقضايا رأي عام، وأخرى لإقصاء خصوم عباس، وأخرى لدفن قضايا سياسية مهمة كتفعيل الانضمام لمحكمة الجنايات.
تشكيل اللجنة لا يعني الوصول الى الحقيقة بل يعني استعراض بيان صحفي خال من المعلومات كما حصل مؤخراً في لجنة حادثة اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، ثم هنا تنتهي القضية.
لم تكن السلطة مرغمة دائما للإعلان عن النتائج، فلا أهم من حادثة اغتيال الزعيم ياسر عرفات التي دفنت حقائقها مع دفن جثمان المغدور دون أن تفصح اللجنة عن أي من التفاصيل حتى اللحظة.
لجنة لم تعقد اجتماعاً واحداً ولم تستجب لأي طلب لاجتماع قيادات وازنة معها حتى بوساطة من عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ثم مع كل إطلالة لرئيسها توفيق الطيراوي يكتفي بالتعليق "نعمل لنعرف من القاتل!"
17 عاماً مرت على وفاة الراحل عرفات، كان الفضل لقناة الجزيرة وحدها في الكشف عن المادة المسببة باغتيال عرفات وهي مادة البولونيوم، تحقيق حاولت الجزيرة الحصول فيه على معلومات أوفى؛ لكن وفق تحقيقها الاستقصائي رفضت السلطة بشكل حاسم السماح للطواقم بالتصوير واقتحمت مكان فريق العمل أكثر من مرة، في إشارة واضحة لعرقلة مسار التحقيق!
كانت حادثة عرفات الأكثر وضوحاً في التعبير عن "شكلية اللجان المشكلة"، وعدم فاعليتها في معالجة الأزمات والمواقف التي تثير الرأي العام، بل والتعبير الأوضح عن "التسكين" المطلوب من هذه اللجان.
البعد السياسي!
تشكيل اللجان لم يقتصر على الجرائم الأمنية فقط، بل تجاوزه إلى متابعة القضايا السياسية التي تخص مصير القضية الفلسطينية، فقد شُكلّت لجان عديدة لدفن عدد من القضايا السياسة. أوضح مثال على ذلك لجنة متابعة الانضمام لمحكمة الجنايات، والتي "لم تجتمع سوى مرة واحدة فقط، تعهد خلالها الراحل صائب عريقات بتفعيلها، ولم يحدث"، القول هنا لأحد أعضاء اللجنة د. أسامة سعد.
لجنة أخرى شكلتها السلطة لمتابعة تقرير غولدستون في جرائم الحرب الإسرائيلية عام 2008، أوقفها عباس في الأمم المتحدة، ثم لم يكشف شيئًا عن قرارات متعلقة بها؛ لأنها لم تجتمع أصلا، وفق ما قاله أحد الشخصيات الحقوقية "للرسالة".
أما ترجمة قرارات الاجماع الوطني للتنفيذ على الأرض، فجميعها خضعت لعنوان "تشكيل لجنة"، لدراسة كيفية تطبيق قرارات المجلس الوطني عام 2017، وقرارات المجلسين المركزي عامي 2015 و2017، وقرارات اللجنة التنفيذية المنادية بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وقرارات لقاء الأمناء العامين.
وارتبط تشكيل اللجان بكل قرار متعلق بتفعيل الإجراءات في مواجهة الاحتلال وتحديد العلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية معه.
قيس عبد الكريم نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، كشف في وقت سابق عن 8 دراسات أجريت لتحديد العلاقة مع الاحتلال، وكلها لم تعمل بها قيادة السلطة!
عادة قديمة!
حوادث تشكيل اللجان ودفنها لازمت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها، فوفقاً لتقرير صادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فإن جميع لجان التحقيق التي صدرت إبان تشكيل السلطة، لم تنشر في الوقائع الفلسطينية التي تمثل الجريدة الرسمية للسلطة الفلسطينية.
كما أنها لم تتمكن من الحصول سوى على قرارين رئاسيين يخولها اتخاذ إجراءات، ومنذ ذلك الوقت لم ينص أي قرار رئاسي على تشكيل أي لجنة أخرى، لتبقى نتائج اللجان في إطار التوصيات فقط، بحسب التقرير.
ويلاحظ التقرير أن جميع اللجان المشكلة لم تخرج عن طور التوصيات فقط، دون منحها صلاحيات المحاكمة أو التحقيق الجنائي!
كما لفت التقرير أن بعضاً من لجان التحقيق البرلمانية التي شكلت إبان تأسيس السلطة، لم يعرف مصير تقاريرها!