من ملفات القضاء..

"لقيط" نظرة المجتمع جعلته مجرماً

الرسالة نت/ مها شهوان

أدى المصلون في إحدى مناطق جنوب القطاع صلاة الفجر وبدأوا بالخروج من المسجد، وأثناء عودتهم إلى بيوتهم، سمع أحدهم صوت طفل رضيع. أصاغ الرجل سمعه فعلم أن الصوت يأتي من ناحية إحدى حاويات القمامة.

كانت صرخات الرضيع متقطعة، منخفضة تارة ومرتفعة تارة أخرى من شدة الجوع. اقترب الرجل من الرضيع الذي كان ملقى بجانب إحدى حاويات القمامة وملفوفا بقماشة بيضاء، وحينما هم بحمل الرضيع سقطت ورقة بيضاء مكتوب عليها " لقيط"

وبعد ساعات أشيعت قصة "اللقيط" حتى تقدمت امرأة متعهدة على تربيته وكان لها ما طلبت وسجلته باسم زوجها ، لكن بعض المقربين همسوا بأنه لأحد أبناء تلك السيدة وما حدث قصة مفتعلة. تلك حكاية واقعية، دارت قبل 24 عاما ولم تكن من وحي الخيال أو مستوحاة من فيلم عربي.

وحينما كبر الشاب لم يكن كباقي أقرانه نظرا لعدوانيته وعنفه بسبب نظرة الاخرين له لما ال له أمره، وبات صاحب سوابق فكان يسرق ويضرب ويمارس سلوكيات لاأخلاقية زجته في كثير من الأحيان خلف القضبان ويعاقب حسب جريمته التي يستحقها.

ورغم بلوغه مبلغ الرجال وبات في سن الزواج إلا أن جميع محاولته باءت بالفشل للاقتران بإحدى الفتيات وذلك لنسبه الغير معروف وأخلاقه السيئة.

الكفالة لا التبني

قاضي محكمة بداية غزة اشرف فارس أكد "للرسالة" أن مجهولي النسب من القضايا الحساسة التي تمس المجتمع كونها تتعلق بأطفال أنجبوا بطريقة غير شرعية نتيجة نزوة لحظية ، مشيرا إلى أن من ارتكب تلك الفاحشة قام بجريمتين وهما اللقاء غير الشرعي والأخرى ضياع حق الطفل الذي نتج عن تلك العلاقة.

وقال القاضي : يلى الأطفال الذين يولدون نتيجة علاقة محرمة بمجرد ولادتهم أمام باب المسجد أو بالقرب من مجمع النفايات وإذا حالفه الحظ فإنه ينقل لإحدى المؤسسات المعنية برعاية وكفالة مجهولي النسب"، لافتا في الوقت ذاته أن حدوث تلك الجريمة لم تبلغ حد الظاهرة فهي حالات قليلة بالكاد تذكر.

وأشار إلى أن الطفل "اللقيط " مهما كانت رعايته والتعاطف معه من قبل المجتمع ومؤسساته إلا أنه يشعر بالنقص مما ينعكس على سلوكه وتصرفاته.

وفيما يتعلق بالحقوق التي كفلها القانون لمجهولي النسب ذكر فارس أن المشرع الفلسطيني أصدر قانونا يتعلق بالأطفال وسمي "قانون الطفل الفلسطيني رقم 7/2004" ، مبينا أنه لم يميز بين الأطفال سواء الذين يعيشون في كنف أسرهم أو مجهولي النسب فهو يكفل تلبية احتياجات الأطفال على حد سواء.

وبين أن الطفل مجهول النسب يقيد باسم والديه فيما لو كانا معروفين ، فالأمهات في أغلب الأحيان يعرفن وتقع عليهن عقوبة الزنا ، موضحا أن القانون الفلسطيني لا يوجد فيه التبني إنما حق الكفالة.

وفي سؤال حول إذا كانت العقوبات التي تفرض على مجهول النسب هي ذاتها على الأشخاص العاديين قال رئيس محكمة بداية غزة :" بعد بلوغ الطفل السن القانونية يعاقب كأي شخص عادي ولا يستثني أحد من القانون".

دمج بالمجتمع

ومن الناحية الاجتماعية دعا أستاذ علم النفس والاجتماع درداح الشاعر إلى المعاملة الحسنة لمجهولي النسب لأنه لا ذنب لهم فيما حل بهم ، مبينا في ذات الوقت أن المجتمع ينظر بعين العار لهؤلاء الأشخاص من حيث العمل والزواج ومرافق الحياة المختلفة .

وبحسب الشاعر فان النظرة الاجتماعية جائرة وظالمة تجاه مجهولي النسب لاسيما وأنه تتم معايرتهم بنسبهم وعدم معرفة أبويهم.

وحول عدوانية بعض مجهولي النسب لاسيما حينما يكبرون ويدركون حقيقتهم أرجعها إلى حرمانهم من العطف الوالدي مما يدفعهم للعدوان والحقد ،بالإضافة إلى نظرة المجتمع التي تولد لديهم الرغبة بالانتقام.

وعن كيفية تأهيل مجهولي النسب للاندماج بالمجتمع قال الشاعر :"لابد من إتاحة فرص العمل والتعليم والزواج ، لأنه لا ذنب لهم ،بالإضافة إلى الإعلاء من شأنهم ليكونوا على مسافة واحدة مع الشباب جميعا".

عقوبة مغلظة

من جهته تحدث أستاذ الشريعة ماهر الحولي عن أن الشريعة الإسلامية اعتنت بالإنسان بغض النظر عن جنسه وعرقه ،مدعما قوله بالآية القرآنية " ولقد كرمنا بني ادم وحملناه بالبر والبحر".

وأوضح أن الإسلام اعتنى بفئة مجهولي النسب وحرم الاعتداء عليهم وشتمهم وأخذهم بجريرة غيرهم، بالإضافة إلى أن الشريعة حرمت قذفهم ومن يفعل ذلك يعاقب.

وطالب الحولي بإيجاد الوسائل التي تكفل لمجهولي النسب الحياة الآمنة التي تحفظ كرامتهم إلى جانب توعية المجتمع بمثل تلك القضايا وإعلامهم أن هؤلاء الأشخاص لا ذنب لهم .

وعن العقوبة التي فرضتها الشريعة الإسلامية تجاه مرتكبي الجريمة قال:" إذا عرف الفاعلان وكانا محصنين تقع عليهما عقوبة الزنا وهي الرجم، وإلا فعقوبتهما الجلد"،مضيفا إذا كانت الزانية معروفة تؤجل عقوبتها حتى ترضع وليدها ويبلغ السنتين من عمره.

وتابع أستاذ الشريعة:"إذا كان إنجاب طفل مجهول النسب نتيجة زنا المحارم فالعقوبة تغلظ لأن الإنسان يصل فيها إلى درجة البهيمية".

وفي ختام ملفنا القضائي ندعو الأهالي لمتابعة ومراقبة أبنائهم خشية أن يقعوا في براثن الشيطان وتكون النتيجة مؤلمة.

 

البث المباشر