تعكس الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية، الحالة المتردية التي وصلت إليها نتيجة الفساد المالي وسوء الإدارة والانفاق الكبير على الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس مقارنة بالقطاعات الأخرى.
ومنذ أيام قليلة تحاول قيادات السلطة الترويج لوجود أزمة مالية خانقة تعاني منها والتلميح إلى إمكانية العودة للاقتطاع من رواتب الموظفين العموميين .
وفي المقابل تلجأ إلى الاتجاه نحو الاقتراض المالي من الاحتلال الإسرائيلي، فقد كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أمس أن حكومة الاحتلال حولت نصف مليار شيكل في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، لصالح السلطة الفلسطينية، من الأموال "المجمدة" والتي تخصم من قبل وزارة الحرب بحجة دفعها لعوائل الشهداء وللأسرى وذويهم.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن ذلك الإجراء تبين من خلال تقرير رسمي أرسلته السلطة إلى الدول الغربية، مشيرةً إلى أن تلك الأموال تم نقلها للسلطة إلى جانب أموال الضرائب التي تجمعها حكومة الاحتلال لصالح السلطة.
وبررت وزارة الحرب الإسرائيلية، بأن تلك الأموال هي عبارة "قرض"، وأن مصدره بالأساس الأموال التي تخصم من السلطة الفلسطينية وليس من أموال ضرائب الإسرائيليين، وأنه سيتم إعادة تحصيلها من الضرائب التي تجمع لصالح السلطة.
ويظهر من تقرير للسلطة الفلسطينية خاص بميزانية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، أنها بلغت 1.77 مليار شيكل، وأن منها نصف مليار شيكل حولتها حكومة الاحتلال، وتم تحديد 400 مليون منها على أنها أموال كان من المفترض أن تحولها حكومة الاحتلال في أشهر سابقة، أي أنها لن تسدد مستقبلًا، في حين تم تعريف الـ 100 مليون شيكل على أنها "سلفة" وستسدد من تحصيل الضرائب مستقبلا.
وتشير الصحيفة، إلى أن حكومة الاحتلال جمدت أكثر من 1.3 مليار شيكل من أموال السلطة والتي تدفعها لأهالي الشهداء والأسرى، وذلك في إطار تطبيق قانون تم المصادقة عليه في الكنيست منذ أعوام.
ورغم أن رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ نفى أنباء اقتراض السلطة الفلسطينية من الحكومة الإسرائيلية، إلا أن وزارة ماليته أعلنت في بيان لها صباح اليوم، أن المبلغ حوّل قبل ثلاثة أشهر و"ما هو إلا جزء من رصيد أموالنا المحتجزة لديهم لحين استرداد جميع تلك الاقتطاعات".
دعم هدفه سياسي
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، أن هذا القرض المالي يأتي في إطار تجسيد ما تم التوافق عليه مؤخرا بين وزير حرب الاحتلال ورئيس السلطة باستمرار الدعم الاقتصادي للحفاظ على الدور الأمني الذي تقوم به السلطة.
ويوضح الغريب في حديثه لـ "الرسالة" أن علاقة السلطة مع الاحتلال واضحة وقائمة على اتفاقيات سياسية أمنية والدور الحصري المتبقي لها هي الوظيفة الأمنية القائمة على أساس استمرار وجودها لذلك تدفع إسرائيل باتجاه الحفاظ على بقائها.
ويضيف أن القرض يأتي انسجاما مع الرؤية الاقتصادية وخطة لبيد باستمرار الدعم الاقتصادي للضفة ودفع رواتب السلطة على قاعدة حفظ الأمن لضمان عدم خروج الأوضاع الأمنية عن سياقها والانزلاق لانتفاضة جديدة.
وحول نفي قيادة السلطة لحصولهم على قرض مالي، يرى الكاتب الغريب أن السلطة لا تريد أن تتشكل رؤية فلسطينية عامة غاضبة اتجاه سلوكها وسياستها؛ لذلك تحاول النفي والترويج بأن لديها برنامج سياسي تسير وفقه في المقابل هو أمر غير حقيقي.
ويشير إلى أنه لا يوجد رؤية أمريكية سياسية لاستئناف المسار السياسي وتم تقزيم المشروع الوطني ضمن رؤية السلطة باتجاه رخاء اقتصادي بالدرجة الأولى بعيدا عن أي شمولية للمشروع الوطني الفلسطيني وأهمية أن يكون هناك حل سياسي.
ويلفت إلى أن السلطة تدفع بهذا الاتجاه لأن "إسرائيل" ترفض الحلول السياسية وتعتمد الحلول الاقتصادية الأمنية أي الأمن مقابل الاقتصاد بشكل أساسي وهو الوضع القائم حاليا.
يذكر أن البنك الدولي حذر قبل أيام، من عدم تمكن السلطة الفلسطينية من الوفاء بالتزاماتها المالية بحلول نهاية العام الجاري، ما لم توقف (إسرائيل) الاقتطاع من المقاصة، وتستجب لمعالجة الملفات المالية العالقة، فضلا عن استئناف المانحين تقديم مساعداتهم.
والمقاصة هي ضرائب على الواردات الفلسطينية يجبيها الاحتلال الإسرائيلي لصالح السلطة مقابل عمولة 3%، وتحولها للخزينة الفلسطينية نهاية كل شهر، حيث تبلغ قيمتها نحو 250 مليون دولار.