ترددت أصداء المظاهرات المتفاعلة في الضفة الغربية داخل المحافل السياسية والأمنية الإسرائيلية، على اعتبار أن "الربيع الفلسطيني" يسيطر على الضفة الغربية، وفي ذات الوقت متخوفة من تطور الأحداث التي سيطرت على الشارع الفلسطيني إلى شيء أخطر بكثير من غضب جماهيري على غلاء المعيشة، مع تزايد حوادث اشتداد الاضطرابات، وإحراق إطارات السيارات ورشق الحجارة، وفشل مسئولي السلطة في تهدئة الجماهير، فالغضب كبير جداً، وقد تعطلت الأعمال التجارية، وآلاف سائقي السيارات العمومية أضربوا عن العمل، وأغلقت الشاحنات المفترقات.
وبات واضحاً لصناع القرار في تل أبيب أن الأحداث تستهدف الجمهور الفلسطيني عدوين اثنين: رئيس الوزراء سلام فياض، والاتفاق الاقتصادي مع "إسرائيل"، اتفاق باريس، وينظرون بقلق للتطورات، ويخشون أن يوجه الاحتجاج أساسا إليها، مما قد يؤدي لنشوء انتفاضة ثالثة، ورغم تفسيرات السلطة لارتفاع الأسعار، فإنها لم تهدئ روع المتظاهرين فقط، بل أثارت الخواطر أكثر فأكثر، وأدى لدعوات لإلغاء اتفاق باريس، الملحق الاقتصادي لاتفاقات أوسلو، الذي يربط اقتصاد السلطة بـ"إسرائيل".
وإذا كان هذا ليس كافياً، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب للسلطة، فإنها غير قادرة على دفع كامل رواتب لموظفيها، مما يشعل أكثر فأكثر الأجواء ضد فياض والسلطة، حيث يدعو المتظاهرون لسلسلة من الخطوات كمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وتشجيع استهلاك المنتجات الفلسطينية، وإلغاء اتفاق باريس، ورفع الضرائب والجمارك على المنتجات المستوردة، والاستثمار في الزراعة في أراضي منطقة "ج"، الواقعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
ورغم المشاهد الأصيلة للمتظاهرين العاصفين، فثمة من يشعل نار المظاهرات، ويضفي عليها ألوانا سياسية، ففي عدد من المدن رُفعت أعلام حركة "فتح" الصفراء، ومسئولون كبار فيها يلقون بالذنب على فياض قُبيل الانتخابات المحلية، ويستغلون كراهية الجمهور له كمسئول عن رفع الأسعار، لترجمة ذلك إلى أصوات في صناديق الاقتراع في الانتخابات الشهر القادم.
في ذات السياق، تنظر إسرائيل إلى المنظمة المنافسة، حماس، التي لا تجلس مكتوفة الأيدي، فوسائل إعلامها تغطي بتوسع الأحداث، وكبار مسئوليها يجلدون فياض، والمسئول عنه أبو مازن، باعتبار أن الاحتجاج نتيجة السياسة الفاشلة للسلطة، وتنسيقها الأمني مع "إسرائيل".
وهو ما يشير بصورة واضحة إلى ما تشهده المحافل الأمنية الإسرائيلية من نقاشات عاصفة، تركزت في التخوف من أن تتحول الاضطرابات الأحداث والاحتجاج المدني المتعاظم في الضفة لتصبح انتفاضة شعبية، وإذا حصل هذا، كما تخشى "إسرائيل"، فان الأمر سيُسرع التدهور في استقرار السلطة إلى حد المس بخدمات الأمن الفلسطينية، ويؤدي لبدء انتفاضة ثالثة حيال "إسرائيل"، ويضعضع جدا استقرار حكم فتح في الضفة الغربية، حتى انهياره.
كما أن التخوف إذا بدأت انتفاضة بالفعل، أن يحاول الفلسطينيون التسلل للمستوطنات، وستتطور أحداث عنف مضرجة بالدماء على محاور حركة السير، وسترشق الحجارة والزجاجات الحارقة على السيارات، مما سيؤدي إلى ردود فعل مضادة من سكان المستوطنات.
وهناك تخوف إضافي بأن تحاول السلطة صرف الانتقاد عنها في محاولة لخوض خطوات من طرف واحد مثل فتح الاتفاقات الدولية، بما فيها اتفاق باريس، الذي يحدد العلاقات الاقتصادية بين "إسرائيل" والسلطة، والتوجه للأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة "مراقبة غير عضو" فيها.
وهنا بالذات، لن يكون ممكنا وقف الانجراف الشعبي في الضفة، إلا من خلال نقل منح مالية هامة للفلسطينيين، لإنقاذ الاقتصاد المنهار، بعد أن قلص الاتحاد الأوروبي تبرعاته للسلطة على خلفية الأزمة الاقتصادية العسيرة التي تواجه دوله، فيما تؤخر الولايات المتحدة 200 مليون دولار وعدت الفلسطينيين بهم.
كما أشارت أوساط عسكرية إلى أن الجيش وقيادة المنطقة الوسطى فيه، بجانب أجهزة الأمن والاستخبارات، تخشى انزلاق الاحتجاجات الفلسطينية على غلاء الأسعار إلى استهداف المستوطنين اليهود في مستوطنات الضفة الغربية.
ولذلك قدم جهازا "الشاباك وأمان"، تقريراً لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" يحذرانه من تدهور الأوضاع إلى "مرحلة الصفر" في الضفة الغربية، أو لجوء رئيس السلطة محمود عباس إلى حل سلطته، وإعلان فشل خيار الحل السلمي، وإعادة الكرة لملعب "إسرائيل" لتتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية والاقتصادية للشعب الفلسطيني أمام العالم باعتبارها دولة احتلال، فضلاً عن تخطيط حركة حماس للسيطرة على الضفة بهدوء، حيث تراقب الاحتجاجات عن كثب، وتعمل على تأجيجها عن بعد.