لطالما أغاظ الاحتلال المشهد العام الذي تظهر فيه المدينة المقدسة، والذي ينتشر عبر العالم تتوسطه قبة الصخرة والمسجد المرواني كجزء من شهرة الصورة للمدينة ، تتلوهما صورة كنيسة القيامة، ما جعل الاحتلال يسعى جاهدا للبناء، معتقدا أن البناء كلما علا وكبر، سيسيطر على الصورة العامة .
في منتصف شهر أكتوبر الماضي، انطلقت أعمال ترميم لكنيس مهجور منذ عام 48 بالقرب من الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وهو ما أطلق عليه الاحتلال " فخر إسرائيل"
الكنيس الواقع في حارة اليهود هو بعض حجارة متبقية من حرب احتلال القدس، ويحاول الاحتلال من خلاله منافسة الغلبة البصرية للأثار الإسلامية في المدينة وكل هذا مكتوب ضمن مخطط زاموش.
ويريد الاحتلال لهذا الكنيس أن يكون أعلى من قبة الصخرة المشرفة، ولا يبعد عنها سوى عشرات الأمتار، فوجود كنيس ملاصق للمسجد الأقصى يعطي فرصة لليهود للصلاة في باحات الأقصى بطريقة أسهل.
في هذا المكان المسمى بحارة اليهود هناك كنيس آخر مسمى بكنيس الخراب، حيث يتجمع اليهود في رحلات لتكريس الهوية اليهودية والترويج لفكرة الدولة المزعومة، في حارة لم يعد فيها وجود للعرب.
فبعد أن كانت حارة الشرف الإسلامية، تحول الاسم إلى حارة اليهود، وسكن فيها يهود يدعون ملكيتهم للحجارة القديمة، ولا زال الاحتلال ينقب عن روايات قديمة يؤلف ويحكم القصة لتكون الكذبة مصدقة وفق المنظور اليهودي.
ويسعى الاحتلال لبناء الكنيسين، كأحد المعالم البارزة جداً والمرتفعة فيها، بجانب المسجد العمري الكبير داخل البلدة العتيقة في القدس الشريف على أنقاض حارة الشرف الإسلامية؛ التي قام الصهاينة بتحويلها إلى حارة اليهود.
المشروع الجديد هو كنيس ضخم يتكون من ثلاثة طوابق وهو إعادة بناء لحجارة يقول الاحتلال أنها بقايا لكنيس قديم حيث تحصنت به قوات الهاجاناه، واستخدمته لإطلاق النار على القوات الأردنية التي كانت تسيطر على القدس آنذاك، مما دفع القوات الأردنية لقصفه بالمدافع فانهار المبنى، على حد زعم الرواية الإسرائيلية.
الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى رضوان عمرو قال إن كنيس "فخر إسرائيل" ينسب إلى الحاخام إسرائيل، الذي أشرف على بنائه في أواسط القرن 19، وإنه سمي بهذا الاسم "في محاولة لتعزيز فخر اليهود حول العالم ببدء عودتهم إلى أرض الميعاد".
والحقائق تقول وفق عمرو إن الكنيس قد أُقيم على أرض إسلامية كان فيها تربة تضم قبرا لولي مسلم اسمه الشيخ أبو شوش، ويزعم اليهود – كما زعموا دوما- أنهم اشتروا الأرض أيام الدولة العثمانية.
عبد الهادي حنتش المختص بقضايا الاستيطان قال في مكالمة مع "الرسالة" إن تغيير الصورة التي اشتهرت فيها مدينة القدس عالميا هو أمر مهم للاحتلال، لأن هذه الصورة التي تتميز بقبة الصخرة تتوسطها تثير جنون الاحتلال الذي يسعى لتهويد المدينة بكل السبل.
ويضيف حنتش:" لذلك يكرس الاحتلال فرض وقائعه على الأرض، وهذا ينعكس على المواطن الفلسطيني الذي يرى يوميا المباني الاستيطانية في القدس ويفرض الاحتلال عليه واقعا جديدا يضيق عليه الخناق ويحمله على الرحيل طوعا من المدينة "
ويلفت حنتش إلى أن هذا التكريس على القدس بالذات من خلال البؤر الاستيطانية وكنس اليهودية تجعل مدينة القدس العربية القديمة تتقلص ل 150 دونم فقط، لأن التوسعة لصالح اليهودية.
صورة مدينة القدس التي تصل إلى العالم يراها حنتش هدفا مهما بالنسبة للاحتلال لأن هذه الصورة تضايقه ولن تمحى سوى بإزالة هذه المعالم، مضيفا:" هناك حفريات اليوم ليست فقط تحت الأقصى، وإنما تحت كنيسة القيامة، وهي سمة الاحتلال الذي لا يحترم الديانات الأخرى، ويستند فقط إلى فكرة واحدة هي سلب الأرض وتوسعة الاستيطان وحينها فقط يمكن للصورة أن تتغير"