أظهرت انطلاقة حركة حماس ومناورات درع القدس الكثير من المفارقات التي ينبغي الوقوف أمامها، وتحليل معظم تفاصيلها ومعطياتها التي تهم شعبنا، وتترك آثارًا على القضية الفلسطينية، في ظل التوتر السائد في قطاع غزة، وتهديد العدو الصهيوني بمواصلة الحصار، وارتفاع سقف التنسيق الأمني في الضفة المحتلة إلى حالة المشاركة الأمنية الواسعة بين الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية وأجهزة أمن العدو الصهيوني.
حيث لا تزال السلطة تمارس كافة أدوات الضغط على قطاع غزة، من خلال التدخل المباشر في مشاريع إعادة الإعمار ووضع عراقيل جمة لإفشالها، والتدخل كذلك في ملفات التفاوض بين المقاومة والاحتلال، ومنع كافة أشكال العمل المقاوم، واجتثاث بؤر الفعل الثوري في الضفة المحتلة، والتنكيل بالمؤسسات الإعلامية التي تفضح جرائم السلطة، وإغلاقها بقوة القرار الذي يرفضه القانون، بعد أن غُيب القانون، وغُيبت الشرعية التي تحمي المواطنين وتكفل حقوقهم المشروعة في العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي.
وقبيل بدء حركة حماس في انطلاق فعالياتها تم اعتقال عشرات النشطاء الفاعلين في الضفة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية، كنوع من حالة الإحتقان التي تمر بها السلطة وسط تصاعد ونمو حركة حماس وامتدادها في الضفة المحتلة، وخسارة حركة فتح في انتخابات مجالس الهيئات المحلية، وفشلها من الوصول إلى عمق الشارع الفلسطيني لاستعادة ما افتقدته نتيجة سياساتها الإقصائية وعدم قبولها للقوى الفلسطينية الأخرى على طريق تحقيق المشاركة والتنمية السياسية.
بينما بقيت حماس تواصل تفوقها في المقاومة والحكم، وإن كان بمستوى محدود نحو العمل الحكومي، نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة، والسياسات الدولية التي أجهضت مشاريع الحركة نحو تعزيز الحكم، وإحداث تحول إيجابي ملموس على الواقع الفلسطيني اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، لكن قدرتها على مواجهة الاحتلال عسكريًا بات يشكل المربع الذهبي لحماس، لأنها أجادت المواجهة وبتألق لا محدود، واستطاعت أن ترسم خارطة جديدة للعمل السياسي والأمني، وأظهرت أن مشاريع التسوية والتنسيق مع العدو الصهيوني ستنتهي، وأن الاستراتيجية الوطنية التي توحد الكل الفلسطيني أمام سياسات التهويد والقتل والتنكيل والاعتقال والتقسيم، هي استراتيجية المقاومة على طريق التحرير.
ومع قرب ذكرى انطلاقة حركة فتح في الأول من يناير 1965، وبعد مرور أكثر من (56) عام على تأسيسها بين أطر ومكونات الثورة الفلسطينية، فقدت فتح الكثير من عوامل القوة، وباتت تمثل تحدٍ واضح وصريح لمشروع المقاومة "المشروع الوطني الفلسطيني"، وتحدٍ آخر أمام دمقرطة النظام السياسي الفلسطيني، والمشاركة السياسية، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، لأن الفعل الأمني والتنازل عن الحقوق الوطنية كلّف حركة فتح فاتورة خسارة حاضنتها الشعبية، وفقدانها مكانتها الثورية بين فصائل المقاومة، وهو أحد تداعيات اتفاق أوسلو الموقع عام 1993م، والذي أجهض الثورة الفتحاوية، وأنهك قواها على الأرض، وأضعف بنيانها، واخترق كافة المستويات التنظيمية للحركة، وتفشي ظاهرة الفساد في الحكم والسلطة، من خلال الاتفافات غير المشروعة مع الاحتلال، واغتصاب السلطة والحكم، وتفتيت بنية المجتمع الفلسطيني، والتحكم في مستويات الثقافة السياسية من خلال استراتيجية كي الوعي، وحالة الإلهاء التي مارستها السلطة، لكبح جماح النضال الفلسطيني، واستنزاف الحالة الثورية، والوصول إلى تحقيق فتح لرؤيتها وأهدافها الأمنية لتثبيت دعائمها والتفرد بالسلطة وبكافة أدوات ووسائل الحكم.
من هنا يمكن الدعوة للإجابة على التساؤل الذي يُطرح بين الفلسطينيين، هل تمتلك فتح أياً من أدوات القوة التي تؤهلها لاستعادة مكوناتها التنظيمية ومكانتها السياسية، بعد (28) عاماً من الحكم، والفشل في إعلان دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وعجزها عن التعاطي مع ملف المصالحة وإنهاء الانقسام والكثير من الإشكاليات التي لا يمكن حصرها في ثنايا تلك المعطيات؟!!.