في الساعات الأولى من يوم السبت الأول من شهر يناير لعام 2022 أطلق من غزة صاروخان من النوع الثقيل، وسقطا حسب ما اعترف جيش الاحتلال الصهيوني على شواطئ مدينتي تل أبيب ويافا المحتلتين، الصواريخ التي أظهرت فيديوهات أنها أُطلقت من غزة لم تتبناها فصائل المقاومة الفلسطينية، لكن مصادرها اكتفت بالقول في تصريح صحفي لموقع فلسطين الآن: إن الصواريخ التي أُطلقت من غزة لم تكن في إطار أعمال المقاومة التجريبية، وإنما أطلقت بالخطأ نتيجة حالة الطقس السائدة في قطاع غزة خلال الساعات الماضية.
صواريخ الخطأ التي أطلقت من غزة ووصلت شواطئ تل أبيب ويافا لم تكن للمرة الأولى، بل سبق ذلك خلال السنوات الماضية أن قصفت تل أبيب بسبب البرق والحالة الجوية، وسقط أحد صواريخ المقاومة على بناية فأدى ذلك لحدوث دمار كبير وواسع، ما دفع جيش الاحتلال لاستهداف غزة، وقصف مواقع المقاومة فيها.
قصف تل أبيب هذه المرة وما تلاها من ردة فعل صهيونية مرتبكة ومتخوفة ومترددة في الرد، يؤكد أن المقاومة استطاعت من خلال معركة سيف القدس أن تصنع معادلة توازن الرعب والردع مع المحتل، فمنذ اللحظة الأولى لإطلاق الصواريخ على كيان الاحتلال، عُقد أكثر من اجتماع، وأجريت أكثر من جلسة لتقييم الحالة الأمنية، واستقبلت حكومة الاحتلال أكثر من اتصال من مصر، بل وصل الأمر إلى مطالبة الاحتلال بصدور تأكيدات على أن الصواريخ أطلقت بالخطأ، ولم تكن مقصودة وذلك لتفادي الرد والتصعيد مع قطاع غزة.
في مارس عام 2019 استهزأ نفتالي بينت برئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو، واتهمه بأنه ضعيف، وأن رده على إطلاق صواريخ على تل أبيب من غزة بالخطأ، يدلل على وجود رئيس وزراء إسرائيلي ضعيف ومستسلم للإرهاب، ولا يقدر على حماية الدولة وسكانها من إرهاب حماس، وقال بينت وقتها إنه لو كان رئيساً للوزراء؛ لتعامل بما يلزم مع حماس وأوقفها عند حدها، واليوم بينت نفسه هو رئيس وزراء حكومة الاحتلال، وهو الذي تعامل مع هذه الصواريخ، وقرر الرد الضعيف والخافت على غزة ومقاومتها، فهو لم يتعامل كما طالب من نتنياهو سابقاً، بل كان رده أكثر ضعفاً وقراره أشد خوفاً.
حكومة بينت الضعيفة والمتوترة انتظرت مطولاً، قبل أن تعلن أن جيشها قرر الرد على صواريخ غزة، ولكن مصادر في الجيش قالت إن الرد على غزة سيكون مدروساً، وذلك لمنع تدهور الحالة الأمنية من غزة، وخشية من ردة فعل المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي أعلنت فصائلها كافة أنها جاهزة للرد على أي عدوان، بل وأوصلت رسائل للوسيط المصري أن أي تماد للاحتلال ضد شعبنا ومقاومته فإن معادلة القصف بالقصف ستكون قائمة وحاضرة.
ردة فعل جيش الاحتلال وقصف أهداف محدودة جداً في غزة، أكد ما تخشاه حكومة الاحتلال، وأثبتت بالدليل القاطع أن غزة ومقاومتها استطاعت أن تثبت معادلة الردع والرعب مع الاحتلال، وما التجارب الصاروخية المستمرة للمقاومة، والمناورات العسكرية لغرفة الفصائل المشتركة إلا براهين تؤكد حجم الاستعداد والجهوزية للرد على أي عدوان للاحتلال، والمتتبع لردود الأفعال من بعض الكتاب والمحللين الصهاينة يرى حجم الغضب على حكومة بينت، وأنها فشلت فعلياً في أول اختبار صاروخي ثقيل أمام قطاع غزة، بل وصل الأمر بأحد الكتاب الصهاينة وهو آساف بوزايلوف للقول: إن الهجوم المحدود الليلة ضد غزة معناه أن "إسرائيل" قبلت حجة "البرق"، وهذا يعطي إشارة لحمـاس بأننا عاجزون ونطلب الشفقة، المراسل العسكري لصحيفة يديعوت يوآف زيتون، قال: "إسرائيل" اختارت بالفعل ضبط النفس مرة أخرى، واتضح أن تل أبيب أصبحت كمستوطنة سديروت".
لقد وضعت المقاومة الفلسطينية في غزة حكومة الاحتلال في مأزق حقيقي، فحادثة إطلاق الصواريخ على تل أبيب، خلق حالة من السخرية والاستهزاء على حكومة الاحتلال، فكيف تُصدق أن الصواريخ فعلاً أطلقت نتيجة الأحوال الجوية، الجنرال احتياط عوزي ديان - نائب رئيس الأركان سابقاً علّق قائلاً: الرد الضعيف وغير السريع، يدمّر الردع ويضر بالأمن القومي، الصواريخ لا تنطلق من تلقاء نفسها.
إن غزة اليوم التي راكمت القوة وضاعفت الجهد لم تعد تخشى الاحتلال وعدوانه، وتؤكد قولاً وفعلاً أنها هي التي تتحكم بطبيعة المعادلة وحركة الاشتباك مع الاحتلال، فكيف يمكن أن نفسر أن يجتمع الكابينت في تل أبيب لأكثر من 12 ساعة؛ ليقرر ويبحث هل سيرد على غزة أم لا، وفي المقابل تستبيح طائرات الاحتلال دولاً عربية وتستهدفها على مدار الساعة دون رد أو اعتبار.
لقد أثبتت الردود الصهيونية الأخيرة على غزة حالة الردع التي حققتها المقاومة في معركة سيف القدس، والتي جعلت العدو يفكر مئة مرة في كيفية الرد المحسوب دون استفزاز المقاومة.