منذ أسابيع، أصبح ليل قرية برقة نهاراً، بعدما تحولت مداخلها لساحة حرب بين أبنائها وقطعان المستوطنين الذين يحاولون التسلل إلى البيوت والاعتداء على ساكنيها بالضرب والسحل وإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع وقنصهم بالرصاص المطاطي والمعدني.
القرى والبلدات المجاورة لم تترك "برقة" المحاذية لمستوطنة "شافي شومرون" المخلاة شمال مدينة نابلس وحدها، فهب الجميع لمؤازرتها ومجابهة عدو غاشم. وحدهم تصدوا لهمجية المستوطنين والجنود الذي جاؤوا لحمايتهم، وبقيت صرخات أطفال "برقة" تدوي في كل مكان حتى اخترقت جدران المقاطعة.
لم تصدر سلطة رام الله أوامر لعناصرها بالنزول إلى ساحة المعركة بجانب أهالي برقة لمواجهة قطعان المستوطنين، بل ابتكروا فكرة رفضها غالبية سكان برقة وهي تركيب شبك خلف الشبابيك لحماية البيوت، مما أثار سخطهم لأنهم رأوا أن في ذلك تعزيزاً لاعتداءات المستوطنين.
منذ أيام وصل عناصر أمن السلطة إلى برقة وهم يحملون شبابيك حماية حديدية، تم تركيبها لثمانية بيوت كدفعة أولى.
يخبر "الرسالة" فطين أبو صلاح، من سكان برقة، أنه يرفض تركيب شباك حماية لبيته، لأنه لا يرغب بالشعور بأنه أسير، مؤكداً أن الفكرة مرفوضة لديه كغالبية السكان.
واستغرب أبو صلاح ما قام به عناصر الأجهزة الأمنية الذين جاءوا يحملون شبابيك الحماية، مشيراً إلى أن أهالي برقة كانوا ينتظرونهم بعد 16 يوماً من المواجهات للدفاع عنهم ومساعدتهم في مواجهة المستوطنين الذين تقدموا لــ 400 متر داخل القرية بحماية جنود الاحتلال.
ويرى أن تركيب الشبابيك لا يمنع المستوطنين من الاعتداء على أهالي قريته خاصة أن الهدف الاستراتيجي يكمن في استرجاع الأرض المسلوبة وليس تسييج بيوتهم وكأنهم في معتقل.
أما الأربعينية فايزة وهي من برقة تعلق بالقول: "بدلاً من أن يبدأ عباس السنة الجديدة بثورة ضد المحتل، قرر تركيب شبابيك ليحبسنا أكثر"، متسائلة: منذ متى ونحن كالفئران نختبئ في جحور من المستوطنين؟
أما قيس التميمي عقب على الأمر بتغريدة على تويتر: "وأخيراً السلطة قررت تحمي شعبها وذلك بسجن الأهالي ببيوتهم بغرض حمايتهم.. طبعاً الشباك هذا بكون تلات طبقات شباك عادي عليه حماية عادية وعليه الحماية الثالثة يعني سجن فعلي اليوم شبابيك وغداً أبواب إلكترونية تقفل عند المغرب".
أما أبو أحمد، الذي بقي يراقب عملية تركيب شبابيك الحماية للبيوت المحاذية للشارع العام القريب من الاشتباكات وهو يتمتم "لا حول ولا قوة إلا بالله، سجن تاني"، ثم عقب: "هذه البيوت تعرضت للهجوم أكثر من مرة، ولا تحتاج اليوم لشبابيك حماية بقدر حاجتها لصد المستوطنين وإبعادهم عن المكان".
وذكر "للرسالة" أن المخيف في الأمر هو تجرؤ المستوطنين أكثر لدخول القرية لعيثوا فيها خراباً، فالشبابيك لن تعيق تخريبهم.
ويرى أن فكرة تعميم تركيب الشبابيك تحبط الكثير من المواطنين بطريقة غير مباشرة، موضحاً أنه لا بد للمقاومة الشعبية من الاستمرار دون توقف أو اكتراث للوسائل التي قد يراها البعض أنها تحمي السكان.
ويجدر الإشارة إلى أن ما يجرى في برقة من أحداث مشتعلة تأتي ردة فعل طبيعية تجاه ما يخطط له المستوطنون فهم يريدون العودة إلى البؤرة المخلاة منذ عام 2005 والاستقرار فيها على حساب أراضي أهالي برقة الخاصة، لكن لم يصمت الفلسطينيون حيال ذلك فعلت مكبرات الصوت في مساجد برقة ومن يجاورها من البلدات للتوجه إلى القرية وإفشال المخطط، ومنذ تلك اللحظة والمواجهات مستمرة.