هذه المرة ناصر أبو حميد، جسد آخر يذوب، ضحية من ضحايا الإهمال الطبي خلف السجون، وفي ظل سياسة اللا مبالاة التي تنهجها السلطة تجاه ملفات الأسرى التي تتوالى سريعاً منذ العام الماضي، وعلى رأٍسها ملف الأسرى المرضى، والأسرى الإداريين.
" ناصر يتقيأ دماً، ويعاني من ضعف كبير، لا يستطيع أن يستخدم يديه في تناول الطعام أو قضاء حاجته ذاتياً، مع ورم خطير في الرئتين، وأجريت له عملية دون علمنا، ولم يسمح لنا بزيارته حتى الآن" تقول والدته أم ناصر.
تتابع: "لقد تفاجأنا حينما نُقل ابني بالأمس إلى المستشفى، وكانت حرارته عالية، وكل الأخبار وصلتنا من نادي الأسير، وآخرها أنه فاقد للوعي وتحت أجهزة التنفس، وأنا أناشد العالم كله. ابني في حفظ رب العالمين"
خنساء فلسطين، أم ناصر، تؤكد أن إدارة السجون تماطل في علاج ناصر، ولا تعطي عائلته حقاً في زيارته حتى أو الاطمئنان عليه، فقد كانت آخر مرة زارت فيها ابنها قبل شهر، وقد كان وضعه مستقراً.
يغلي قلب أم ناصر التي قضت عمرها تتنقل بين زنزانة وأخرى لزيارة خمسة أبناء أسرى، أخوة لسادسهم عبد المنعم حميد الذي استشهد في عملية بطولية قام بها عام 1994 لُقبت روحه بعد ذلك بـ"صائد الشاباك"
تراجع الوضع الصحي للأسير ناصر منذ قرابة العام، ولم تبلغ عائلته أو المحامي بوضعه إلا بالمصادفة ولا زالت تطالب بزيارته وإدارة السجون ترفض. حتى الصليب الأحمر لم تسمح له سلطات الاحتلال بالزيارة للوقوف على الوضع الصحي للأسير عن قرب.
وبالعودة إلى العام الماضي، وقبل اكتشاف حقيقة مرض حميد، ماطلت إدارة السجون كعادتها لأسبوعين، وهي تتفرج على ناصر أبو حميد يذوب خلف الزنزانة، ويتقيأ دماً، حتى تراجعت حالته قبل أن تحوله للعلاج في مستشفى برزلاي.
وبعد ضغوطات فردية وذاتية قام بها الأسرى كعادتهم في مواجهة معاركهم فرادى، نفذوا خطوات احتجاجية في أغسطس الماضي منها إغلاق القسم الذي يحبس فيه الأسير أبو حميد وذلك للمطالبة بنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ونقل أبو حميد إلى المستشفى بالفعل وأجريت له عملية جراحية لإزالة ورم في الرئتين في العاشر من أكتوبر الماضي، ثم أعيد فوراً إلى معتقل سجن عسقلان، رغم حاجته لبرنامج طويل للعلاج الكيماوي.
اليوم وحسب جميل سعادة، مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى فإن المعلومات الواردة لديهم تفيد بأن ناصر الذي يعاني من السرطان قد أخذ أول جرعة كيماوي قبل أيام، وأُعيد إلى زنزانته، ولكن وضعه الصحي تفاقم.
حولت إدارة السجون الأسير أبو حميد مرة أخرى إلى مستشفى برزلاي، وهو الآن يرقد تحت أجهزة التنفس، ولا زال المحامي حتى هذه اللحظة يحاول الحصول على تصريح لزيارته.
أما عائلة ناصر، فلا معلومات مؤكدة لديها حول الوضع الصحي العام لابنهم، لأن إدارة السجون ترفض اخبارهم بأي معلومات.
ولأبو حميد سيرة نضالية طويلة، إذ اعتقله الاحتلال أول مرة عندما كان يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وأصيب إصابة بالغة عام 1990، ثم طورد لسنوات، وحاول الاحتلال اغتياله لسنوات أخرى.
اعتُقل ناصر برفقة أخيه نصر في مخيم قلنديا في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل عام 2002، ورافق اعتقاله الاعتداء عليه وإصابته إصابات بالغة، ثم حكم عليه بالسجن سبعة مؤبدات وثلاثين عاماً.
التاريخ الطويل من الاعتقال زاد عليه الاحتلال هدم منزل العائلة خمس مرات، وكلما بنته أم ناصر أعاد الاحتلال هدمه، وتوفي والد الأسرى وهم داخل السجون، ولم يتمكن من المشاركة في تشييع جثمانه أي منهم.