منذ أكثر من ثمانية شهور وأهالي بيتا الإرادة يواصلون مقاومتهم للاحتلال بكافة السبل والإمكانيات البسيطة، فقد قاوموا الاحتلال بصدورهم العارية، ليسطروا بذلك أبهى نماذج المقاومة الشعبية في الدفاع عن الأرض وجبلهم الشامخ صبيح
صورة المشهد في بيتا، وصفها الناشط بالقرية جمال حمايل في تصريحات سابقة قائلا: في بلدة بيتا كل شيء مختلف، الفعاليات متنوعة ومستمرة، ففي محيط الجبل توجد سارية مرتفعة رفع عليها العلم الفلسطيني ومكبر للصوت لمخاطبة الجنود والمستوطنين باللغة العبرية للرحيل عن الأرض
أهالي بيتا قاوموا الاحتلال ومستوطنيه وابتكروا وسائل للدفاع عن الجبل، بعضها مستوحى من تجربة قطاع غزة في فعالياتهم على حدود غزة ، إبان مسيرات العودة وكسر الحصار في مارس 2018، كالإرباك الليلي، وإشعال الكاوشوك، والبالونات الحارقة.
في بيتا وعلى جبل صبيح المقاومة شعبية بامتياز، وأصبح اسمها لامعا يتردد بين الفلسطينيين كأيقونة فريدة في مقاومة الاستيطان ودحره.
تميزت المقاومة الشعبية في بيتا ضد الاستيطان بحجم المشاركة الواسعة، وانخراط مختلف الشرائح، وفي كل يوم يزداد زخمها أكثر بأكثر
كان ميدان المواجهات تسوده أجواء الوحدة والتكاتف، كل يعمل وفق طاقته، ويقدم ما يستطيع، والعنوان الأسمى هو حب الوطن والإصرار على إفشال الاحتلال في إقامة البؤرة الاستيطانية
كان طابع ميدان المواجهات التكاتف والتكامل، ترى من ينقل الحجارة ومن يجمع الكاوشوك المشتعل، ترى من يوقد النار وويطلق الألعاب النارية، ترى من ينقل المياه ومن ينقل الوجبات، ترى من ينقل جرحى المواجهات ويواسي عائلات الشهداء، كانوا أشبه بخلية نحل الكل يعطي في مجموعته، هذا ما أعطى زخما، وروحا للوحدة والعمل الميداني المشترك الذي يتطلع إليه الفلسطينيون، لكن ذلك المشهد لم يعجب فريق أوسلو الذي يترأسه عباس، فاتخذ قرارا بإنهاء هذه الحالة الفردية
المقاومة الشعبية هي الطريق الذي لطالما نادى به عباس قائلا: نحن مع المقاومة الشعبية، لكن لا تجعلوها شعارا فقط
اشتعلت قرى عديدة في الضفة وتصاعدت فيها المقاومة الشعبية وعلى رأسها قرية بيتا وأصبحت تشكل إزعاجا للاحتلال ومستوطنيه، وبدأت خشية حقيقية لدى صناع القرار في إسرائيل من انتقال هذه الفعاليات إلى أماكن جديدة ومساحات أوسع، في الضفة والدخل المحتل، وبالفعل هذا ما تم، حيث اشتعلت بيتا وبيت دجن وبورين وبرقة والنقب، لكن سرعان ما بدأت سلطة التنسيق الأمني وصاحبة الدور الوظيفي جهودها لكبح هذه الفعاليات، فبدلاً من أن تكافئ أهالي جبل صبيح على مقاومتهم للاحتلال وتصديهم للمستوطنين، وعملهم وفق دعوات عباس بالمقاومة الشعبية وصناعتها نموذجا أصبح ايقونة
ليتفاجأ أهالي بيتا باقتحامات همجية نفذتها أجهزة السلطة لبيوتهم واعتقالات طالت أبناءهم وبناتهم، في تجرؤ أعدوه قتلا للروح الوطنية وكسرا للمقاومة
نموذج بيتا شعرت من خلاله السلطة بالخطر والتهديد الذي يهدد وجودها ويسرع في سقوطها ، لارتباطها بالاحتلال، وتعي تماما بأن اندلاع انتفاضة في الضفة يعني زوالها، لأسباب منها اتساع حالة الرفض الشعبي لها لسلوكها القمعي، إضافة إلى أن دورها الوظيفي بامتياز والمرتبط بالاحتلال وتوفير الحماية لمستوطنيه، كما أن الاحتلال منزعج من هذه المقاومة ودور السلطة رأب الصدع، لا سيما بعد اللقاء الحميم الذي جرى في 29 ديسمبر2021 وجمع عباس بوزير الحرب الإسرائيلي غانتس في تل أبيب
مهاجمة قرية بيتا من قبل السلطة ، سلوك لم يعتد عليه أهالي بيتا إلا من قبل الاحتلال وجنوده، هذه الجريمة استدعت موجة إدانة واستنكار واسعة من الكل الفلسطيني ما جعل السلطة معزولة تماماً عن الجميع، والكل أيقن تماما أن هذه السلطة لا تخدم سوى الاحتلال، ودورها وظيفي وترفض المقاومة بكافة أنواعها، وأقوالها عن المقاومة الشعبية تنافي أفعالها على الأرض
تجربة أهالي بيتا في مقاومة الاحتلال ونجاحهم في مقاومة إقامة بؤرة استيطانية على جبل صبيح كان الطبيعي أن تقدم السلطة لهم كل سبل الدعم وأدوات الصمود، لا أن تقمعهم في أبشع صورة
سلطة تعجز عن حماية الفلسطينيين من قوات الاحتلال ومستوطنيه وتواصل العدوان عليهم إذا حاولوا حماية أنفسهم كما حدث في بيتا، لا يمكنها أن تقدم شيئا ولا تستطيع أن تقدم شيئا سوى السراب
فالمطلوب منا اليوم أن نتوحد ونقتلع هذه السلطة من جذورها ونبني نظاما سياسيا يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها ومجدها وللمقاومة بأنواعها مشروعيتها حتى اقتلاع هذا العدو عن أرضنا وتحرير الأرض كاملة.