نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للمعلق ديفيد إغناطيوس قال فيه إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لو اندلعت لن تكون قصيرة وستكون دموية وفيها أكياس موتى كثيرة. وقال إن الروس يتحدثون أحيانا عن جثث الجنود القتلى الذين يتم نقلهم إلى الوطن من خلال تعبير “طائرة 200″، وفي الحقيقة فقد نشأ هذا التعبير، كما أخبر الخبراء الدفاعيون الأوروبيون الكاتب في كييف، أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان عندما نُقلت الجثث من هناك إلى موسكو في توابيت مبطنة بالزنك.
وعليه، فالحرب في أوكرانيا لن تكون قصيرة ولن تكون خالية من طائرات نقل الجنود الموتى. وستكون هناك تشنجات من القصف المكثف. وستضرب الصواريخ والمقاتلات الروسية العمق الأوكراني وسترد كييف بقتل أكبر عدد من الجنود الروس المنتشرين على الحدود وبسرعة لتحطيم معنويات الروس وتعيد لهم ذكريات “طائرة 200”.
وستكون هذه هي البداية، فالمسؤولون الدفاعيون في الولايات المتحدة وأوكرانيا يتوقعون معركة مرة، قد تبدأ بانقلاب ينفذه الموالون لروسيا. وسيتخلل كل هذا معارك متقطعة ووقف إطلاق النار وخطط سلام، تاركة وراءها بركان العنف يتقيح في وسط أوروبا.
وكما هو الحال في أثناء الحرب الباردة فانتصار الغرب سيكون من خلال الوحدة والصبر ورفض التنازل عن المبادئ. ومع أن المحللين يتوقعون غزوا بريا روسيا وزحفا للدبابات وسط الشتاء نحو الأراضي الأوكرانية إلا أن العامل الحاسم في المعركة سيكون الغارات الجوية والقصف الصاروخي.
وتتمتع روسيا بقوة عسكرية جوية ضاربة، وربما لا تحتاج لأن تشن هجوما بريا لقدرتها على دك كييف ولأسابيع من الجو. والسؤال: كيف يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الرد على هذه المعركة الوحشية، لو حدثت؟
الجواب أنهم يستطيعون دعم أوكرانيا في المرحلة الأولى من الحرب وتزويد الجيش الأوكراني بالتكنولوجيا والأسلحة وأسراب الطائرات التابعة لحلف الناتو لتنشر على طول الحدود قبل أن تنتشر الحرب إلى الدول المحيطة. ولكن الرئيس جو بايدن وحلفاء الولايات المتحدة قالوا إنهم لن يرسلوا قوات لدعم كييف لأنها ليست عضوا في حلف الناتو، فالعالم سيقف خلف أوكرانيا لكنه لن يدعمها على خطوط القتال. وعند التفكير عن رعب الحرب القادمة، يجب على الولايات المتحدة التركيز لكي تنتصر في الحرب الطويلة وتجاوز نكسات المرحلة الأولى منها. والأهم من كل هذا هو الحفاظ على حلف الناتو متماسكا وتجنب التنازلات الأولية ووقف النزاع بناء على شروط موسكو.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراهن على إرجاع العالم ليس إلى عام 1989 عندما انتهت الحرب الباردة فعليا ولكن إعادته إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما فرضت موسكو ما أطلق عليه رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل “الستار الحديدي” لحماية مجال تأثيرها. وقد تكون الأزمة مجالا لأضخم حرب إلكترونية، لو سمحت أوكرانيا للولايات المتحدة وحلفائها بالناتو تقديم المساعدة. وقد تلجأ روسيا إلى حرب تضليل إعلامي وهجمات إلكترونية بهدف تشويه الحكومة الأوكرانية والشعب الأوكراني.
وحث خبراء الناتو السلطات في كييف على التحضير لقطع الخدمات الضرورية عن الإنترنت وتحضير وسائل بديلة للتواصل مع الشعب. إلا أن التصميم الأوكراني بحاجة لتحسين وتقوية. وكشفت زيارة للكاتب إلى كييف في الأسبوع الماضي، عن عدم التنظيم بين الأوكرانيين المتخوفين وغير الجاهزين لاستيعاب والتعامل مع الخبرات الإلكترونية التي عبرت الولايات المتحدة والشركاء الآخرين عن استعداد لتقديمها.
ويتوقع الكاتب هزيمة بوتين في المعركة القادمة إلا إذا قرر الغرب التنازل أولا، وهي نتيجة يتوقعها مستشارو بوتين الذين يشكون بالمسار الذي قرر المضي به. ولو صدقنا الاستطلاعات، فإن الروس سيرفضون “حرب الاختيار” التي بدأها زعيم أصبح مهووسا بحلمه عن الزواج الإجباري مع أوكرانيا وإعادة بناء مكونات الاتحاد السوفييتي القديم وتحت فوهة المدفعية.
وكشف استطلاع نظمه المركز المستقل “ليفادا” عن هشاشة قاعدة بوتين. ففي أيار/مايو 2021 عارضته نسبة 43% من الروس المتمردين الذين يدعمهم بوتين في شرق أوكرانيا، وهي نفس نسبة الداعمين له. ومن المحتمل رفض الجيل الجديد ممن هم تحت سن الأربعين الفكرة المحببة لبوتين عن ضم أوكرانيا. وعندما سئلوا عما تعنيه الحرب في أوكرانيا لبوتين، قالت نسبة الضعف إنها قد تقود لعدم رضا وهي نفس النسبة التي أكدت أنها ستعزز من سلطته. وهنا سيرى الجيل الشاب مشاكل لبوتين. فهذا الجيل مرتبط بالعالم الحديث عبر الهواتف النقالة ومنصات التواصل الاجتماعي والتنقل السهل إلى الغرب.
وتهديد بايدن بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا لو مضت في عملها العسكري يحمل الكثير من المخاطر، فروسيا لا تقوم بتصنيع رقائق أجهزة الكمبيوتر وتفتقد القاعدة التكنولوجية، كما ويعتمد نظامها المالي على النظام المصرفي الغربي ويقضي أصحاب المصالح والأثرياء الروس أوقاتهم في لندن والريفيرا الفرنسية. ويمكن لبوتين تحمل ثمن العزلة الاقتصادية ولكن ليس السياسية والاجتماعية. ولو أصبحت روسيا دولة منبوذة فقد يفقد بوتين شرعيته.
وأمام هذا الثمن الكبير للحرب، فلماذا يخاطر بوتين بكل شيء لكي يعيد أوكرانيا إلى فلك التأثير الروسي؟ والجواب عليه يكمن في المانفستو الطويل الذي أصدره في الصيف عندما قال إن الروس والأوكرانيين هم شعب واحد. ولو كان هذا صحيحا فالهوية الديمقراطية الأوروبية المتزايدة لأوكرانيا تمثل مخاطر لروسيا المستبدة التي أقامها بوتين. فأوكرانيا حرة ستجر روسيا غربا إن لم تركعها.
وقال نائب وزير الخارجية الأوكراني إمين جيبار “هناك تهديد بحرب حقيقية وسط أوروبا” و”نحن بلد سيقاتل”. وقد يدفع الأوكرانيون ثمن المرحلة الأولى من الحرب، لكن وحدة الغرب ضد بوتين ستؤدي لخسارته رهانه على توسيع الهيمنة الإقليمية تماما كما خسر الاتحاد السوفييتي الحرب الباردة.
المصدر: القدس العربي