إلى جانب ما تقوم به السلطات التنفيذية من دعم وتعاون كبيرين, فإن السلطة التشريعية المتمثلة بالكونجرس بشقيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب؛ تقف موقفاً متقدماً جداً على صعيد صناعة القوانين والتشريعات التي تشكل من ناحية غطاءً للسلطة التنفيذية تخولها من تنفيذ سياساتها الداعمة لـ(إسرائيل), ومن ناحية أخرى مادة قانونية واجبة التنفيذ من قبل السلطة التنفيذية. ومن المعروف أن الكونجرس من أشد المؤسسات الأمريكية ولاءً ودعماً لـ(إسرائيل), بغض النظر عن الأغلبية المهيمنة عليه من قبل أحد الحزبين الكبيرين.
ويمكن التطرق إلى بعض القوانين التي أقرها الكونجرس في الفترة الواقعة بين الأعوام 2001 – 2014, والتي تصب في دعم ومساندة (إسرائيل), كما يلي:
• يصادق الكونجرس سنوياً على حزم المساعدات الأمريكية لـ(إسرائيل) من خلال إقراره لمشاريع الموازنات السنوية, التي تتضمن المساعدات الخارجية والتي تحظى (إسرائيل) على النصيب الأكبر منها.
• صادق الكونغرس الأمريكي بتاريخ 19 مايو 2007 على موازنة بقيمة 205 مليون دولار لتمويل منظومات الصواريخ التي يتراوح مداها بين 40 - 250 كم، وكذلك التي يتراوح مداها بين 5 و70 كم, وذلك من أجل التصدي لصواريخ المقـ.اومة من غزة وجنوب لبنان.
• صادق الكونغرس الأمريكي خلال العام 2007 على زيادة المساعدات الأمنية لـ(إسرائيل) بمقدار 170 مليون دولار، في اطار خطة تزويدها بمساعدة بقيمة 30 مليار دولار على امتداد عشر سنوات (2009- 2018). وتقدر قيمة المساعدة التي أقرها الكونجرس لعام 2008 بـ 2.38 مليار, ولعام 2009 بـ 2.55 مليار, بزيادة متصاعدة سنوياً.
• كما صادق الكونغرس على تشريع يقضي بمضاعفة العتاد العسكري الأمريكي المخصص للطوارئ والمُخزَّن في (إسرائيل) من 100 مليون دولار إلى 200 مليون، على أن تستمر هذا الزيادة في حدود 200 مليون خلال عام 2008.
• وقد أقر الكونجرس في العام 2010 قانون التعاون الأمني الذي يمنح الرئيس بموجبه صلاحيات زيادة قيمة المخزون الحربي إلى 1.2 مليار دولار.
• في عام 2012 أصدر الكونجرس مشروع قانون حظي بتوقيع الرئيس, يقضي بتمديد برنامج ضمان القروض حتى سبتمبر 2015. كما لا يزال بوسع (إسرائيل) إصدار ما يصل إلى 3.8 مليار دولار من السندات المدعومة من الولايات المتحدة .
• تم إقرار قانون تتلقى بموجبه (إسرائيل) جملة من المساعدات, مثل التزود بالوقود والذخيرة, وشراء الأسلحة والعتاد والطائرات, والحصول على صور أقمار التجسس الأمريكية, والتدريب والتعاون الاستخباري, ودمج (إسرائيل) في شبكة الدفاع الأمريكية لشرق المتوسط, والمناورات المشتركة, وغيرها الكثير من أوجه الدعم والمساعدة والتعاون المشترك.
• في عام 2016 وفي ظل إدارة أوباما؛ وقعت (إسرائيل) مع الولايات المتحدة اتفاقاً تحصل بموجبه على مساعدات أمنية وعسكرية بقيمة 38 مليار دولار, تتسلمها على عشر سنوات، وتبدأ في نوفمبر 2018. وهذا الاتفاق يسمح لإسرائيل بتحويل نسبة من هذه المساعدات للشراء من الصناعات العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات الست الأولى، أما السنوات الأربع الاخيرة فيتم تخصيص إجمالي المبلغ للشراء من الصناعات الأمريكية. كما يمتنع الجيش الإسرائيلي عن تحويل أي مبلغ من المساعدات لشراء الوقود، وتمتنع (إسرائيل) أيضاً عن تقديم أي طلبات بمساعدات إضافية للكونغرس. أما في حال قدم الكونغرس مساعدات لم تطلبها (إسرائيل)؛ فعليها أن تقوم بإعادتها للولايات المتحدة. واللافت أن الاتفاق تضمن استثناءً لأي طلبات بالمساعدة تأتي في أعقاب دخول (إسرائيل) في مواجهة أمنية، وبالتالي فإن هذا الاستثناء يعتبر التفافاً على ما تضمنه الاتفاق من قيود على (إسرائيل). لأن السلوك العدواني الإسرائيلي يجعل من احتمال اندلاع مواجهة خلال عشر سنوات هو أمر وارد بشكل كبير، فضلاً عن أن هذا الاستثناء في حد ذاته يُعد محرضًا لـ(إسرائيل) على التصعيد وشن أي عدوان في سبيل الحصول على المساعدات الأمريكية.
وفي معرض تعبيره – في سياق هذا الاتفاق - عن حقيقة ودوافع (إسرائيل) في نيل (حقها) من الموازنة الأمريكية؛ قال الكاتب اليميني الإسرائيلي (درور ايدار): «مقابل المساعدة نحن ندفع: 1) بالاستخبارات والمعلومات والفهم الذي لا يملكه الأمريكيون عن المنطقة. 2) بالقدرة التكنولوجية. 3) التجارب الحربية الخاصة بنا التي تساوي المال. 4) نحن أكثر فعالية من الأمريكيين في محاربة الإرهاب، من يحافظ على الأردن؟ إسرائيل تعمل من أجل عدم وجود حاكم من الإخوان المسلمين، من تركيا إلى مصر. 5) لم نتحدث بعد عن الصداقة المخلصة، الولايات المتحدة تستطيع الاعتماد علينا فقط في المنطقة». وأضاف: «إسرائيل ليست متسولًا يريد الصدقات، نحن لاعب رئيس في المنطقة، قادر على الحفاظ على مصالح الغرب، ونُعتبر الموقع المتقدم في صراعه ضد الإسلام المتطرف في العالم, اتفاق المساعدة هو التعبير عن ذلك».
فبالإضافة إلى الإدارة التنفيذية؛ يُعد الكونجرس أحد أهم المؤسسات الداعمة والحليفة لـ(إسرائيل) بشكل قوي وثابت, وخصوصاً في الجانب المالي وإقرار الموازنات, التي تحظى (إسرائيل) - في العادة - بنصيب وافر منها. والكونجرس أيضاً من أهم المعاقل التي يتمتع فيها اللوبي الصهيوني بهيمنة ونفوذ واسع, عبر أعضائه من الشيوخ والنواب الموالين أو المؤيدين لـ(إسرائيل), والموزعين على كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حدٍ سواءٍ, ولا يُغفل الدور والتأثير الطاغي للمال والإعلام, سيما في العملية الانتخابية, حيث يسيطر اللوبي الصهيوني على قدر مهم منه. فبات من الثابت في السياسة الأمريكية الاستمرار في الدعم لـ(إسرائيل) سيما في المجال العسكري, وما يتطلبه من مخصصات وإنفاق واسع في هذا المجال, لزيادة قدراتها التسليحية والقتالية.
أما من الطرف الإسرائيلي - سيما بعد اندلاع الانتفاضات العربية - فإن وجهات النظر المتعلقة بزيادة الإنفاق العسكري اعتماداً على الولايات المتحدة لمواجهة المخاطر الأمنية التي قد تنتج عن حالة عدم الاستقرار جراء الثورات العربية؛ فهي متباينة إلى حدٍ بعيد. حيث ترى النخب الأمنية ضرورة إعادة صياغة العقيدة الأمنية للكيان, والمبادرة لإحداث تغييرات جوهرية في بنية وقدرات الجيش الإسرائيلي. في حين يرى بعض المختصين أن زيادة التسلح تعني مزيداً من الاعتمادية على الولايات المتحدة, مما يؤدي إلى تقليص هامش المناورة السياسية للنخب الإسرائيلية الحاكمة, ما يعني الحد من استقلالية القرار الإسرائيلي, وهيمنة أمريكية إضافية على هذا القرار. كما يرى آخرون أن (إسرائيل) ستصبح عبئاً على الغرب وليس ذخراً استراتيجياً لها, وأن تأثير الانتفاضات العربية محدود وخصوصاً في مصر, لأن الأوضاع الداخلية الصعبة فيها لا تسمح بأي نوع من المواجهة العسكرية مع (إسرائيل), فضلاً عن أن العديد من المصالح الحيوية المصرية المهمة الموجودة في سيناء بالقرب (إسرائيل) ستكون مهددة.
في ظل استمرار تدفق حزم المساعدات العسكرية الأمريكية لـ(إسرائيل) وبوتيرة متصاعدة, وبناءً على حجم ونوعيه هذه المساعدات ومدى تطورها التكنولوجي, وما تشكله من مخزون حربي استراتيجي, وعمق التحالف البيني؛ فأن (إسرائيل) باتت تشكل قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط, وهي لا تزال أحد أهم الأذرع الأمريكية الضاربة في المنطقة. وعليه فإن نظرية العبء الاستراتيجي الذي تشكله (إسرائيل) على الولايات المتحدة والغرب؛ هي نظرية لا تعكس الواقع العملي للمواقف الأمريكية حيال (إسرائيل) حتى الآن, ولا تعكس السياسات والتوجهات الرسمية الأمريكية بشكل يشير إلى أي نوع من التحول في هذه السياسات.
*الحالة العسكرية التي تمثلها (إسرائيل) في المنطقة العربية تشكل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي, وتمثل تهديداً استراتيجياً على المكونات الحضارية والثقافية والتاريخية للمنطقة, فضلاً عن التهديدات السياسية والاقتصادية والأمنية.*
*هذا الواقع يسترعي من الطرف العربي والفلسطيني إعادة صياغة استراتيجيته في مواجهة المشروع الصهيوني, وإعادة تقييم أدواته ووسائله, وعلاقته مع الطرف الأمريكي, مستفيداً من كافة الامكانيات المتاحة, في عملية إعادة هندسة الواقع لمواجهة المستقبل بعقلية واستراتيجية جديدة.*