خانيونس – محمد الدواهيدي
"كان البحر هادئا حينما حمل شباكه على ظهر مركبه عصر الجمعة وانطلق بداخله هو واثنان من الصيادين, ولكن قدر الله شاء بأن تتغير الأحوال وتعلو أمواج البحر, عندها حاولت الاتصال به مرارا وتكرارا ولكن بلا جدوى, دخلت البحر أبحث عنه ولم أجده".. بهذه الكلمات المثقلة بالأحزان على فراق ابن أخيه, بدأ خالد البردويل حديثه لـ"لرسالة".
في الساعة الثامنة مساء اختلطت أصوات الأمواج العاتية بصوت نيران الزوارق لتطارد المراكب, حينها بدأت علامات الخوف والقلق تزداد على وجه خالد عندما سمع بأن أحد المراكب انقلب على من فيه بالقرب من الشاطئ .
ولم يعلم وقتها أن المركب الملاحق من قوات الاحتلال هو الذي يستقله ابن أخيه الفتى زياد سمير البردويل ابن السابعة عشر ربيعا , ليلحق بخاله محمد إبراهيم البردويل الذي قتلته الزوارق المصرية على مركبه بعرض البحر قبل سبعة شهور".
الصدمة الكبرى
بعلامات الحزن التي ارتسمت على جبين خالد أكمل حديثه لـ"الرسالة نت" قائلاً: "دخلت مراكب للشرطة البحرية وأخرى للصيادين للبحث عن أفراد المركب المنكوب, وأنا أنتظر خروجهم على الشاطئ , حينها كانت الصدمة الكبرى, لقد قذف الموج زياد جثة هامدة على شاطئ البحر أمام عيني قبل أن تعود مراكب الإنقاذ".
وبخاطرٍ مكسور أضاف: " آخر مرة صاحبني فيها الشهيد زياد عندما أوقفنا الطراد المصري ومنعنا من الصيد على الرغم من سماح الجيش المصري للفلسطينيين الصيد قبالة شواطئها" .
وتابع البردويل: "كان زياد صديقا لي في معظم الأوقات وهو أقرب أفراد العائلة إلي , ولأننا نسكن في بيت واحد لسوء الأحوال الاقتصادية أصبح دائما ملازما لي, فكان قلبه معلقا في البحر وكانت حرفة الصيد وهموم عائلته والعمل من أجل الأسرة تشغله عن الدراسة, رغم صغر سنه ونحافة جسده".
وبعبارات ملئها الاحتساب عند الله, استذكر عم الشهيد زياد آخر موقف له صباح يوم استشهاده عندما أصلح بين بنت عمه وشقيقتيه الصغيرتين, لتبقى الابتسامة والروح المرحة المتسامحة أخر ما شاهده أهل بيته من الشهيد الفتى زياد البردويل.
بداية النهاية
كانت الساعة الرابعة والنصف مساء من يوم الجمعة عندما نطق الفتى زياد البردويل "بسم الله الرحمن الرحيم " ليدور المركب وينطلق سعيا وراء لقمة العيش وهو يدرك أنها مغمسة بعرقه ولكنه لم يعلم أنها ستُغمس يوماً ما بدمه، فهو لا يبدأ عمل شيء قبل أن يسمي الله, وهي كذلك آخر عبارة سمعها زكي ونادر سلمية الذان كانا على نفس القارب المنكوب.
ويسرد سلمية "للرسالة نت " تفاصيل عملية الإعدام، ويقول: "عندما انتهينا من الصيد هممنا بالخروج, لكننا تفاجأنا بأن البحر عال جدا ليس كوقت دخولنا, وبعدها بدأ الطراد الإسرائيلي إطلاق النار بكثافة باتجاهنا, حينها بدأ زياد يقود بسرعة ليبتعد عن إطلاق النار, وبالفعل حصل ذلك وتبسمنا ظننا أننا نجونا من النار ولكن تفاجئنا بارتفاع الأمواج كثيرا بالقرب من الشاطئ".
"وبعدها انقلب المركب وخرجت وابن عمي نادر من تحت المركب, وصرخنا على زياد ولكن لا أحد يجيب , بحثنا قليلا عن زياد قبل قدوم الشرطة البحرية لتبدأ بالبحث معنا دون جدوى, وحينما وصلنا إلى الشاطئ , وجدنا جثة الشهيد قد سبقتنا".
وبصوت ملئه الحزن لفراق صديقه يقول" كانت المرة الثالثة الذي يذهب بها زياد للصيد في نفس اليوم , وكانت الابتسامة على شفتيه طوال الوقت ويستسمح أصدقائه بقوله "سامحوني" كأنه كان يشعر بقرب أجله".
ويضيف سلمية " لن أعود إلى العمل في البحر, ليس خوفا من الطرادات الإسرائيلية أو المصرية أو البحر , إنما لفقد أعز رفيق له في مهنة الصيد". كما قال.
"زياد" كان كثير الحديث عن حبه لأصدقائه وأهله, وظروف عائلته الصعبة في ظل الحصار البحري المفروض على قطاع غزة , الذي أدى الى تدهور الأوضاع الاقتصادية للكثير من أفراد العائلة التي يمتهن معظمهم حرفة صيد السمك.
وتبقى دماء الفتى زياد البردويل المختلطة بملوحة بحر غزة الهادر أكبر شاهد على جرائم الاحتلال التي يرتكبها بشكل متواصل بحق الصيادين الفلسطينيين على طول سواحل قطاع غزة.